كان للقاء الشيخين الباجي قايد السبسي رئيس حزب نداء تونس السابق والشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، الخطّان المتوازيان اللّذان لا يلتقيان بإذن الله وإذا إلتقيا فلا حول ولا قوّة إلا بالله، كما قال الشيخ الباجي في أوج تسويقه لحركته الجديدة عندما سئل عن إمكانية اللقاء بين الحركتين، الخطّان المتوازيان إلتقيا ذات أوت 2013 في العاصمة الفرنسية، فالملفات العربية الشائكة كلّها تدرس في غير عواصمها.
مآلات الخطان المتوازيان الملتقيان سياسيا خروجا عن القاعدة العلمية، كان تجهيز حمار التوافق الوطني، الذي حمل على ظهره بساطا سحب ببطء من تحت أرجل الأحزاب المشكلة لجبهة الإنقاذ التي كانت تتربّص الدوائر بحركة النهضة، ولم يكن إلتفافهم حول حركة النداء المتهمة بإعادة تأهيل ورسكلة النظام القديم إلا من أجل حشر حركة النهضة في الزاوية، فكان لقاء الشيخين ضربة سياسية خلخلت بنيان جبهة إنقاذ البلاد من النهضة، وآنتهت الأزمة السياسية الخانقة بتجهيز حمار الشيخين على حد تعبير السيد عبد الستار بن موسى.
هذا الحمار البطيء الحركة مثل نقلة سياسية فارقة في تاريخ البلاد وبسيره البطيء المتأني أفقد بعض المتحالفين صبرهم فشتّت المجتمعين وجمع الشّتات وفجّر كائنات سياسية إلى شظايا منها ما سلّم بالسقوط ومنها ما لا يزال يسبح في فضاء سياسي متلبد بقرحات إجتماعية وإقتصادية وصحية وتربوية تنهك حمار الشيخين، وتدفعه للوقوع، لكن ما يغيب عن هؤلاء هو صحّة المثل الشعبي القائل " كلما دفع الحمار أظهر قوّته "، أو بالدارجة التونسية " دز البهيم يورّيك قوتو ".
الساحة السياسية التونسية لا تؤمن بسنة التطور، فمنذ سنة 2011، والكائنات السياسية التونسية تدور في حلقة إيديولوجية مفرغة تستمد خلفيتها من الحركة السياسية الطلابية بالمدارس والجامعات، أي أنها لا تزال في مرحلة الإندفاع والمراهقة السياسية، وتطبق القاعدة العدمية " الكل أو لاشيء "، والمرهق للمتابع لحركة هذه الأجرام السياسية هو عشوائية الحركة والبرنامج الموازي لمشاكل المجتمع اليومية، فهي إن إجتمعت تجتمع خارج إطار العمل السياسي للأحزاب المتمثل في البرامج الإقتصادية والاجتماعية والتنموية…
فبرامجها الحزبية لا تتعدى برامج إجتماع وتشتت القبائل العربية القديمة أي في إطار تحالفات قبلية الهدف منها إما الغزو للتخلص من عدو أو التصدي لغزو من عدوّ، ويصحّ في الحالة التونسية ما أورده الدكتور إبراهيم علاء الدين في مقاله " ثقافة الحذاء البدوي لا تبني حضارة " حيث يقول "وهذه الثقافة العنفية ليست مظهرا مدنيا كما قال ابن خلدون، بل هي مستمدة من ثقافة وقيم البدو الاعراب المجبولة بالعنف والثأر والفوضى ورفض الخضوع للسلطة وسيادة القوانين المدنية، وترفض البعد الانساني للعلاقة بالآخر، ولا تؤمن بالتسامح والتعايش مع من يخالفها الرأي أو العقيدة أو الاصل أو العرق، وهي متخلفة متطرفة عدوانية تناهض التقدم والتمدن والتحضر والتفاعل مع الثقافات الانسانية، ولا تؤمن بالتعددية والديمقراطية والسلام"، هذا هو الوصف الدقيق للكائنات الحزبية التونسية حتى وإن إدعت وصلا بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة.
في الوقت الذي يتصاعد الوعي لدى المواطن التونسي بحقه في ثرواته ومخزوناته الطبيعية ومطالبته بصيانتها في إطار حضاري تكفله النظم الديمقراطية، أي تحت سلطة الدولة، نرى ان الطبقة السياسية الحاكمة يتيه بها خيالها الواسع لتنفق ملايين الدينارات على مشاريع " كمالية " يمكن ان تكون لها جاذبية لو توفر الحدّ الأدنى من ضروريات العيش الكريم، تماثيل وحدائق وهمية ورجال أعمال يريدون ان يستثمروا خارج البلاد… بحيث العزوزة هازها الواد.
أما المعرضة والتي من المفترض أن تكون لديها مشروعا بديلا جاهزا للحكم، فإن الإدراك السياسي والإجتماعي لديها يسير في منحدر الحضيض، فمخرجات الثورة لم تتعدّ خفي حنين أحدها في ساق الحكم والآخر في ساق المعارضة، وأمام هذا الغضب المتنامي الذي يعيد للواجهة شكلا آخر من أشكال بدايات 17 ديسمبر إن لم يكن الصدمة التي ستعيد للحكم والمعارضة رشدهما السياسي، ليعدلوا خط سيرهم في إتجاه القضاء على الفساد بكل معاني الكلمة لغة وإصطلاحا فقد تكون البداية لربيع عربي تنبأ به الغرب ذات شتاء تغنى فيه الحالمون بالياسمين.