لست أدري لماذا العقل الجمعي لهذه البلاد مشدود إلى خرافة " يا ناخذ الكل - يا نخلي الكلّ-
مقصد المثل : هو السيل الجارف من الجلاّدين لأنفسهم و لغيرهم في قطاع التربية بعد توقيف لكل ما من شأنه أن يدخل الارتباك على سير الحياة المدرسية. فكل ما وقع من اضرابات و اعتصامات و احتجاجات ساهم في كبح جماح المنطلقين في مشروع خوصصة المدرسة العمومية. و يكفي أنهم كانوا بالآلاف في مواجهة غير متكافئة إعلاميا و اجتماعيا.
لم يكن رحيل الوزير أو بقاؤه هو قلب الرّحى لمعركة المدرسة العمومية. كان الخلاف واضحا حول مشروعين بارزين وهما خوصصة المدرسة العمومية أو بقائها مجّانية لكافة أبناء الشّعب.
كان الخلاف يدور حول رؤيتين، ولكل منهما وجاهته. فالدّاعمون لمدرسة مخوصصة توظّف فيها رسوم على الخدمات التي تقدّمها المدرسة يعتقدون أنّ سبب فشل مخرجات التعليم ناتج ضرورة عن قدم البنية التحتية و صعوبة مواصلة الدّولة لتمويلها. و قد يكون ضخ أموال من جيوب المواطنين حلاّ يمنع عنها التلاشي و الإغلاق.
هذه الرّؤية تجد من يعارضها بشدّة، و يعمل على كشف خيوطها للرأي العام. فالبديل وهو المدرسة المخوصصة هو باب للربح المادي لزمرة مالية قادرة على الاستحواذ على مرفق عام و تحويله إلى بؤرة تجارية غايتها رصّ المغانم و التّحكم في الموارد البشرية و قطع ملف الانتداب و إجبار المدرّسين على الخروج التلقائي أو التّعسفي.
اليوم بعد أن توقّفت ماكينة التجييش الإعلامي عن تشويه المدرّسين و تعطّل بابور المفاوض الاجتماعي، و خرجت الألسن بالنعيق و التخوين و إعلان النفير. لنشدّ الأحزمة قليلا و نحاول أن نفهم أنّ التربية ليست لعبة في يد أي شخص أو حزب أو طائفة.
المدرسة العمومية تشكو ألاما كثيرة، و كان من الممكن أن يجلس كل طرف يقدر أن يكون مؤثّرا، و يبدؤون في مناقشة جميع المواقف و اختيار الأفضل بعيدا عن التفويت فيها. المدرسة العمومية هي في حاجة إلى كلّ الغيورين من أجل بقائها مصنعا للعقول المتفتّحة المواطنية.
بان اليوم أنّ مشروع إصلاح البرامج و الكتب يفتقد إلى الصّدقية بله المصداقية. فلا يمكن الشّروع في إصلاح له فاعليته دون البحث عن مصادر تمويل دائمة تعاضد مجهود الدّولة؛ ولكن دون المساس بمجّانيتها. و لا يمكن بأي حال القبول بشركات رعاية المؤسسات بديلا مشرفا على المدرسة العمومية.
المشروع التربوي الوطني الهادف إلى تحقيق وعي عملي عند المواطنين يقدرون به على النهوض بالوطن ينبني على نقاء المال المسيّر لها. وكلما كانت ميزانية التربية خالية من سماسرة الاتجار بالتربية كانت المدرسة ناجحة في القطع مع تكالب العائلات الرّاغبة منذ أحقاب على تجهيل أبناء الشّعب .
يمكن التفكير في بدائل إجرائية تعجّل بإنقاذ مدرسة الشّعب و تفويت فرص خوصصتها بالعمل النّافع و الجهد القادر و العقل المستنير. يجب أن تكون المدرسة العمومية بوصلة الشّعب الوحيدة.
جولة في الإذاعات المحليّة
انتصرت إرادة الشعب في قلع سوس الاستبداد، و كان الدّستور الأساس الّذي يمكن أن يكون قاعدة الأساس لمجتمع حرّ ديمقراطي يعتز بانتمائه للأرض و الللغة و الدّين.
الغريب أنّ جولة قصيرة في حومة الإذاعات يجعلك تبحث هل لهذا الشّعب مرجعيات يعود إليها.
* االفلسة الأولى عدد 01 أو الإذاعة الوطنية
أغاني لا يمكن بأي حال أن تخبر الباحث عن الترفيه بأن هذا البلد له مقامات و إيقاعات و شعراء و مطربون مازالوا يعترفون بأحقية البلد في الاستثناء الثقافي. رصّ مقصود لأغاني شرقية لا يمكن أن تذاع في بلدانها. أمّا لغة الخطاب فهي الرّكاكة في اللفظ و العجمة في القصد.
* االفلسة عدد02 الإذاعة الخاصّة
ربوخ بالأغاني السوقية السافلة، و خليط هجين من المفردات بين عربي دخيل و دارجة قبيحة و فرنسية معوجة و رطانة سمجة. و أمّا المنشطون فهم باعة الغبار في زمن العجاج خالص الثمن.
و يريدون التّقدّم. لا يمكن لبلد أن يتقدّم شعبه وهو يترك العقل الشّعبي بأيدي زمرة لا تعترف بحق الوطن في خطاب أمل و عبارة أصيلة و مرجعية تخرج عن المعلّب الكريه و المدجّن الخبيث.
الله يرحم عبد العزيز العروي في تلك النصيحة الذهبية: بيني و بينكم فلسة.