قانونيا يعتبر الفساد بمثابة إنتهاك مباشر للدستور وللقوانين والمراسيم المعمول بها في بلد ما، وإنحراف عن تأدية الواجب الموكل للموظف من قبل الدولة، أي من قبل الشعب. وهو من حيث التعريف العام الشامل. أما لغة فهو يعني البطلان والتفسخ. وبذلك، أي إستقاء من المعنى الللغوي، بإعتبار اللغة إصطلاحيا هي تمثيل لواقع بعينه.
فإن الفساد هو موت أو فناء بمعنى من المعاني. إنه إنحلال وتفسخ. فعملية الفساد إجمالا هي نهاية. لكن للأسف قليلون من ينظرون إلى هذه النهاية التي عصفت بدول وبمجتمعات على مر تجربة الإنسان الإجتماعية الطويلة ونذكر منها نهاية النظام النوفمبري سنة2011 بسسب الفساد. فأينما عاينت إضمحلال دولة أو مجتمع ما، فأعلم أن الفساد هو مبعث ذلك الإضمحلال.
إنها تكاد تكون قاعدة عامة رسخها واضع علم الإجتماع والعمران إبن خلدون. وهي اليوم بالنسبة للمتتبعين السياسيين والمشتغلين بعلم السياسة أصبحت بديهية لايمكن تجنبها. بل تفرض عليهم وتوجههم مباشرة إلى البحث عن أسباب الفساد. فالفساد له مداخل متعددة، أهمها الفساد السياسي، ثم الفساد الاداري، وهما يرتبطان تلازما بالفساد المالي. وينعكسان مباشرة على الحقول الأخرى كالمجتمع والثقافة والدين.
وحين يصبح الفساد قضية تمس كل مناحي الحياة، فإن تطور البلد إلى الأعلى يصبح مسألة مستحيلة. بل يصبح الإنحدار والهبوط هو العملية الأكيدة لهذا المجتمع. بل إن اللغة التي تلعب أدوارا حاسمة في تليين وتغليف أوحجب الفساد تصبح عاجزة عن القيام بمهامها أمام تفشي مظاهر الفساد ليس في البحر والبر فقط، بل في الأجواء أيضا، وفي النفوس والعقول. بالإضافة إلى الفساد السياسي و الإداري و المالي و المجتمعي ككل لا يمكن غض الطرف عن الفساد التشريعي مثلا وحسب تقارير البنك الدولي بعد الثورة تم رصد 37 قانونا تم وضعها لفائدة عائلة المخلوع بن علي و الأدهى و الأمر أنه وإلى حدود كتابة هذه الأسطر وفإن هذه القوانين مازالت سارية المفعول.
فكيف نكافح فسادا بتشريعات بالية. وحين تعجز اللغة عن حجب مسألة ما فإن الإنسان يصل إلى مستوى الإنفضاح التام والتعري الكلي. فلا الحاكم بإمكانه الحفاظ على هيبته وإحترامه، ولا رجل السلطة يذود عن سلطته ومركزها. ولا المواطن يأمن عيشه وحياته. فاللغة قد تلعب دورها في مستوى من مستويات المدح والقدح، وقد تقوم بوظيفتها في حالة من حالات الحجب والكشف، لكنها تفقد كل مقوماتها وأدواتها ومفعولها حين ينهار كليا محور ما يمكن أن نغطيه بقماش سميك. فحين يصبح الفساد ظاهرة عامة تمس مؤسسات الدولة الكبرى وذلك حسب تصريحات رئيس الهيئة العليا لمكافحة الفساد، و تتسرب إلى الثقافة والإعلام والعلاقات الإجتماعية، يصبح من العبث الحديث عن الصلاح والخير و الإصلاح أوالمصلحة العامة.
إنه إنخراط مجتمعي شامل في لعبة الفساد، حيث أن العلة الرائجة لا تكون إلا للرشوة والمحاباة والمحسوبية والظلم . فحين تنقلب الصورة لايمكن أن تنظر إلى الرأس في قمة الصورة. فالآثار واضحة للعيان. أخطاء بالجملة، مظالم لا سقف لها، جهل عارم، نفاق صادم. صمت أنيني ينخر جسد عامة الشعب. إنه موت سريري. رغم تبجح كبار المسؤولين برفاهية معلقة في الأعلى. فالتنمية تصبح مجرد وهم في بلاد ينخرها الفساد.