عندما اكتشفت هنيّة أن ابنها بلادماغ داخل جمجمته!

Photo

أنا خال من العقل،ومن الكوليستيرول!!

كما أنني أحمد الله على نعمة غياب العقل كما يحمده غيري على نعمة الذكاء.....والفهلوة!

وأعترف أن اكتشاف خلو راسي من العقل،قد تطلب وقتا طويلا وزيارات متكررة للعرافين والأطباء!

فقد كان على هنيّة أن تفكّ اللغز الي أقضّ مضجعها منذ ولادتي: لماذا كنت أحرك رأسي بسهولة كبيرة، ويصدر عن رأسي صوت شبيه بصوت الاناء الفارغ ،عندما يصطدم بأي جسم ، بما يشي بأن جمجمتي تخلو من الدماغ!

وقد روت لي بعد ذلك أنها كانت تنقر بسبّابتها على رأسي لتتأكد بنفسها من الامر، في غياب أجهزة الكشف بالأشعة في مستشفى الكاف في ذلك الوقت ،

وقد طمأنها سي محجوب مدير المدرسة الابتدائية لما قصدته لتسجيلي في السنة الاولى ابتدائي بأن عدم وجود عقل في راسي هو دليل عبقرية وبشير نبوغ مبكر!

أليس أغلب الزعماء العرب بدون عقل ،خاطبها بحزم،وهم مع ذلك يحكمون ويبقون في كراسيهم حتى الموت ،وابنك هذا-أي حضرتي-سيكون بلا شك رجلا خطيرا!

لكن الصعوبات الحقيقية بدأت بعد دخولي المدرسة …

فقد اكتشفتُ أن أترابي كانوا يحلون مشاكل الحساب بسهولة غريبة مهما كانت مستعصية ،في حين أعجز أنا عن حل حتى البسيط منها..

وحين بحتُ بهواجسي إلى أحد مُعلميّ ،تنحنح وحك صلعته وهمس لي:

-يا بُني لا تبتئس ،أأكد لك أنك لن تكون أبدا في حاجة إلى عقل ،عش حياتك بدون تفلسف وافعل كل شيء دون أن تفكر،وستكون أسعد الناس!!

ولم يدر معلمي هذا أن وصيته ستقودني طيلة عمري فيما بعد …

فسرعان ما اكتشفتُ أنه لا فائدة أن نمتلك شيئا لن نستعمله أبدا!

كما اكتشفتُ بالدليل القاطع أنه لا أحد في عالمنا العربي البائس قادر ان يستعمل عقله لمرة واحدة،والذين حاولوا هم إما في السجن أو في القبر!!

كما ان هناك دراسات علمية -لم أطلع عليها ولا أعرف إن كانت موجودة فعلا-تربط بين استخدام العقل والكثير من الأمراض الشائعة مثل ارتفاع الضغط،والسكتة القلبية والدماغية،والرعاش،والتبول اللإرادي،والسعال الديكي،والأخرى النفسية :مثل الإكتئاب والإنفصام،والنرجسية،والرهاب،والتفكير في الإنتحار!

أما أنا فغبائي وخلو راسي من العقل جنباني كل المخاطر المتصلة بالتفكير :

وكانت هنية تطمأنني وهي تحتضنني بحنان ، بأن النقص الذي أعانيه، لن يؤثر سلبا على حياتي ، ففي كل الاحوال: الله الذي في السماء هو الذي خلقنا، والولي الصالح سيدي حميدة بن خضر هو المتحكم في مصائرنا وكل ما يحصل لنا من خير وشرّ،وبورقيبة هو الذي يعرف ما يصلح لنا وما لا يصلح ، وأبي لا يمكن أن يكون على حقّ أبدا ، والكسكسي بالعلوش هي أفضل أكلة على الاطلاق، والشاي المنعنع هو الذي " يعمّر الراس"، وما نحن فيه من فقر مدقع هو قدر لا فكاك منه، وزواجي من نعيمة بنت عمي عندما أكبر لا هروب منه، ورسوبي في السيزيام ومن ثمة التفرغ لرعي أغنام العائلة مقدّر قبل ولادتي وبالتالي تتساءل مستنكرة: -وراس ولدي ماهو باش ينقصك شيء، وقول هنية قالتها، قبل أن تضيف واثقة:

- تي محسوب اللي عندهم مخاخ واش عملو بيها؟

وعندما كبرت حمدت الله أن حكوماتنا الرشيدة تفكر بالنيابة عنا في كل مناحي الحياة،هي وحدها تستعمل "العقل"،ولا تكلفنا نحن المواطنين أن نستخدمه بدورنا مما يجنبنا حمل أدمغة ثقيلة في رؤوسنا لا جدوى منها ولا حاجة إليها!

فهناك دائما سلطة تقرر وتنفذ.,

وهناك نقابات تحتج نيابة عنا وتفض مشاكلنا العالقة مع السلطة ، وهناك قوانين غبية تنظم علاقتنا مع الأجهزة ومع الآخرين، فما جدوى وجود عقول داخل جماجمنا المسطحة؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات