اعتقد أن تصريح وزيرة المالية لم يؤدّ وحده الى انخفاض قيمة الدينار، بل جاء في نسق تنازلي لقيمته منذ مدّة، ولكن ساهم هذا التصريح في تسريع الهبوط.
- أغلب التشاخيص تربط بين توسّع العجز التجاري وانزلاق الدينار بعلاقة سببية ميكانيكية وكأنّ الحل َّيكمن في تقليص العجز حتى لا يلتجئ البنك المركزي الى استعمال العملة الصعبة للحفاظ على استقرار الدينار.
وهذه ليست أفضل طريقة لطرح الموضوع، لانها منقوصة الجوانب، فهي تفضي الى تضارب مصالح، حيث لا يلتقي هدف البنك المركزي (الحفاظ على الاحتياطي بالتقليص من التدخّل) وهدف الفاعلين الاقتصاديين (تمويل معاملاتهم بسعر دينار قرّر نظامَ تحديده البنكُ المركزي)، إِذْ حتى ولو تقلص العجز بتدخل السياسات التجارية الحمائية مثلاً، لا شيء يضمن ارتفاع سعر الدينار أو استقراره…
- يقول البعض إنّ من الآثار الإيجابية لهبوط قيمة الدينار هو دفع التنافسية والمساهمة في تقليص العجز التجاري. فهذا لا يستقيم وفق واقع الاقتصاد التونسي الحالي و تعاليم علم الاقتصاد التي تحدد شروطا موضوعيةً لذلك، ومن بينها ان تكون الصادرات ذاتَ قابلية تأثّر إيجابي كافٍ جرّاء هبوط سعر العملة المحلية، وتكون الواردات ذات قابلية تأثّر سلبي كافٍ جرّاء هذا الهبوط، وكذلك ان يكون الوضع الأصلي للميزان التجاري متوازنًا. فكلّ هذه الشروط غير متوفرة في تونس.
- الاهتمام بما يسمّى "سعر صرف التوازن" وإقامة التعليقات حوله، وكأنه حقيقيةٌ ثابتةٌ وهذا أيضا لا يستقيم عندما يتعلّق الامر بمعالجة واقع اقتصادي معيّن، إذ يحتاج الى تنسيب. فعلاوةً على انّ العلماء (من بينهم ريتشارد بالدوين وغيره) يتفقون على أن سياسة الصرف التي لا تقلّص من انحرافه يمكن ان تغَيّر حتى "سعر صرف التوازن" وتُحْدِثُ تطورًا في الميزان التجاري لا يُدرَكُ مآلُه، فإنّ احتسابه في حد ذاته خاضع الى قلة الدقة، فضلاً عن صلابة الأسعار في الاقتصاد والعديد من التشوهات الاخرى (…). فاليوم مثلا تم الاقتراب بواحد من عشرة في المائة من سعر التوازن لليورو/الدينار الذي تم الإعلان عنه بإحدى وسائل الاعلام !
- لكن لم تتجاوز الحوارات هذه النقاط لإثارة قضايا اخرى تتعلّق:
- بتوقيت وكيفية اجراء الإصلاحات اللازمة .
- بأسباب عدم تدخل السلط الاقتصادية والنقدية إبّان الصدمة التي تلقّتها سوق الصرف الى حدّ الآن الشيء الذي يمكن أن يعطي الفرصة للمتعاملين الاقتصاديين لاتخاذ السبل الكفيلة لتحييد الإجراءات التي من المرتقَب اتخاذُها في الأيام القادمة، ذلك ان الدينار يواصل هبوطه الى ذلك الحين…