الدّولة مجدّدا في مواجهة الثورة.

Photo

يكون السّيّد الشّاهد واهما جدّا اذا اعتقد أنّ حزمته الموعودة من الأجراءات ستطفئ الحريق المشتعل بتطاوين،و ستنال رضا التطّاوينيّة و تنتهي المشكلة حينذاك.. كان يمكن لذلك أن يحدث لو قام بهذه الزيارة منذ الأيّام الأولى للاحتجاجات، لانفضّ عدد قليل من الشباب العاطل عن العمل ،لمجرّد وضعهم في قائمات التشغيل.

لكنّه لم يحدث،آثر السيّد الشّاهد الذهاب في جولة لإفريقيا لفتح أسواق لرجال أعمال حزبه،و آثر المسارعة الى صفاقس استباقا لغضبتها المخيفة لكرسيّ حكمه،و أرسل أسوأ الرسائل إلى أهل تطاوين عامّة و شبابها الغاضب خاصّة:الحقرة و التمييز الجهوي و عدم الجديّة في التعامل في الجهة.

اليوم،لا يستطيع السيّد الشّاهد أن يتصوّر النقلة النّوعيّة التي حصلت في الوعي التطاويني إثر مراكمات ما يزيد عن الشهر،نقاشات،تحاليل،مطالب،أولويّات،إمكانيّات،ثروات،حقوق،وسائل ،غايات… الخ،كان الوعي يختمر و يهيء لفعل سياسي جديد،شاذّ عن كلّ التّنميطات التقليديّة،بدأ بأخذ المسافة عن الأجندات الحزبيّة و المنظّماتيّة،مع تكريس معايير السلميّة و المدنيّة و النّضال تحت سقف الدولة.

اليوم ،كلّ الجهة تقف وراء شبابها و تسند تحرّكه و تثق في مشروعيّة و معقوليّة خطابه،مهما بدا للبعيدين موغلا في التعجيز،أو مهددّا لاستقرار الدولة أو منذرا بالانفصال عنها…و الشّباب لم يعد مهموما بالشّغل كما يتصوّر المحللّون،بل أصبح معنيّا بحقوق جهة ،سلبت على مرّ العقود،و أصبح يتدرّج في مدارج الفعل السياسي المحقّ من أجل انهاء الغبن و الظلم وتحقيق الكرامة و المواطنة المتساوية و دولة العدل و الحقّ و سيادة الشعب على ثرواته و مقدّراته.

غدا،تقف الدولة في مواجهة الثورة من جديد،أو حتّى لا نصيب البعض بحالة الرهاب،لنقل في مواجهة المنطق الثوري،و هو أمر في الحقيقة ،لم يكن مستبعدا أبدا،منذ نجاح قوى الثورة المضادّة في افتكاك الجمهوريّة الثانية و التلاعب بديموقراطيتها الناشئة لاستعادة زمام الحكم الفاسد بنفس السياسات الفاسدة،في غير ما ادراك و حسن تقدير لتغيّر عقليّة الشعب و نفسيّته و سلوكه الجماعي.

غدا،سيفاجئ الشّاهد بشباب يطالبه لا بالشغل و لا بالمشاريع و لا بالتنمية،و إنّما باسترجاع السيادة على الصحراء بكلّ ثرواتها و انهاء حالة عسكرتها و غلقها أمام أبناء الوطن،سيطالب الشباب بإنهاء الغموض و الفساد و السرقة الأجنبيّة و المحلّية،للبترول و للغاز،لإدراكه أنّ ذلك مفتاح كلّ المطالب و لا غير و لن يكون خطاب الانكار و المغالطة مجديا هذه المرّة،بل لعلّه سيكون من قبيل صبّ الزيت على النّار الملتهبة أصلا في قلب كلّ تونسي يرى كما رأيت بأمّ عينيّ أنابيب الغاز و النفط ممتدّة في خطوط متوازية تشقّ الصحراء باتجاه قابس و الجزاير و ايطاليا بأحجام كبيرة تنّم عن طاقة التدفّق العالية.

غدا،الثورة تستكمل مسارها المغدور، في تطاوين،تعود بالشباب ليكون في موقعه الحقيقي،في مواجهة دولة الفساد و الاذلال الوطني و المواطني و لتسحب البساط من تحت أقدام نخبة سياسيّة هزيلة و مريضة و عاجزة عن قيادة الثورات الى برّ النجاح.

غدا،أشفق على السيّد الشاهد،اذ تستقبله الولاية بما يشبه حالة الحداد وإعلان موت تطاوين القديمة،فعليه أن يحسن قراءة الاضراب قراءة سليمة و لا يرى فيه مجرّد ضغط. إنّه اضراب على الخطاب السياسي المشروخ الذي لن يستمع إليه الشباب حول محدوديّة امكانات الدولة.

أنا لن أنصح الشباب بشئ،فلم تهلكنا إلا نصائح جيل مخصيّ يتوهّم الفكر و الايديولوجيا و السياسة. أنا أنصح الشّاهد،أن استمع و نفّذ،بلا نقاش،أمّا إن وسوست لك شياطين حكمك بالمواجهة،فلتعلم أنّها ستكون الحرب المؤجّلة مع لوبيّات المال المتنفّذة المتحكّمة في القرار السياسي و المانعة له من التحررّ و السيادة،و التي إن واصلت تعنّتها و عنجهيّتها و عدم تقديمها للتنازلات المطلوبة،فستكون الخاسر الأكبر،و معها سيخسر كثيرون في فلكها… و اللّه متمّ أمره و لو بعد حين.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات