بدأ موقف النهضة من قانون المصالحة يتّجه أكثر فأكثر نحو الوضوح الإيجابي) تصريحات عبد الفتاح مورو- نور الدين البحيري- يامينة الزغلامي...الخ) بعد أن حامت حوله ظلال الشك من خلال تصريحات مثل التي أطلقها علي العريض )القبول من حيث المبدأ...) ورئيس المكتب السياسي نور الدين العرباوي (قانون المصالحة سيقرّب أكثر الدساترة من الإسلاميين) وما يتناهى إلى السمع عن موقف رئاسة الحركة الذي يبقى غير مفهوم طالما لم نسمع منها تصريحا واضحا بهذا الخصوص، مع وجود أخبار عن تعهد الشيخ راشد الغنوشي للرئيس السبسي بمصادقة النهضة على هذا القانون "إثر التعديلات التي أجريت عليه". قد يقول قائل منهم إن هذا الموقف هو موقف النهضة من البداية. موش صحيح..
والدليل هو وجود تضاربات في تصريحات قيادات النهضة (الصف الأول) بهذا الخصوص. بل وجود حالات غضب واضحة في صفوف الإسلاميين (في الصف الثاني والثالث) بسبب عدم اصطفاف النهضة بشكل واضح ضد هذا القانون وما يحتويه من خروقات فاضحة للدستور وللأخلاق.
ووصل الأمر ببعض المكابرين منهم في المقابل إلى الزعم بوجود نسختين واحدة قديمة ومرفوضة (2015) وواحدة معدّلة ويمكن قبولها مع بعض التحسينات (أفريل 2017) وهو ما نفاه القيادي في حركة النهضة ورئيس كتلتها في البرلمان نور الدين البحيري نفيا تاما مؤكدا وجود نسخة واحدة هي النسخة الأولى والأخيرة (نسخة 2015).
ما الذي حصل حتى تشرع النهضة في رفع صوتها تدريجيا ضد هذا القانون وضد الفاسدين؟ الذي حصل:
أولا: تدرك النهضة بطبيعة الحال مقدار الحرج الأخلاقي والخرق الدستوري في موقف دعم قانون المصالحة الحالي ولكنها تدرك أيضا مقدار الحرج في رد مبادرة الحليف الأول الرئيس السبسي وخاصة في مستوى رئاسة الحركة.
ثانيا: حركة النهضة تشعر أنها تحت ضغط وأنها بحاجة إلى من يخفف عنها هذا الضغط، فجاءت ردة فعل الرأي العام والنشطاء السياسيين المنحازين للثورة والمثقفين والقانونيين والمجتمع المدني لتكون خير عون لها على المجاهرة بضرورة المراجعة العميقة لهذه المبادرة وبضرورة المحاسبة والتعويض قبل المصالحة وبضرورة خفض التجمعيين الفاسدين صوتهم قليلا أمام صوت الثورة والعدالة الانتقالية (نور الدين البحيري). كما أن الحراك الشعبي بتطاوين والكاف والقصرين وسليانة والحامة ومطماطة وغنوش وقابس ...قد جاء أيضا عاملا مساعدا للتأكيد على المناقشة العميقة لقانون المصالحة وعدم القبول به في صيغته الحالية.
ومع كل هذا، لن نطمئن إلى إيجابية موقف النهضة من قانون المصالحة كل الاطمئنان حتى نتأكد من ذلك من خلال مخرجات مناقشة هذا القانون في البرلمان وحتى نسمع رأي هيئة الحقيقة والكرامة إن كانت تلك المخرجات متطابقة تماما مع مسار العدالة الانتقالية أم لا وحتى نسمع رأي خبراء الدستور إن كانت تلك المخرجات دستورية بالكامل أم لا.
وفي الأخير، لسنا متأكدين فعلا أن هذا مشروع هذا القانون سيمر بمناقشة عادية وتعديلات جوهرية تفضي إلى اعتماده قانونا للمصالحة الاقتصادية ما دام هنالك غموض وتردد حول ما إذا كان هذا السبيل هو فعلا طريقا سليما من طرق العدالة الانتقالية في المسألة المالية أم لا.