يقال قديما- حيثما حلّت الثروة حلّ الفساد- هو مثل قديم يجد هذه الأيام طريقه للشيوع بين الناس. فالوطن الّذي تختزن بطنه خيرات لا يستطيع أهله القيام باستخراجها. ترتحل إليه أساطيل العسكر من بلدان مجاورة أو بعيدة للاستحواذ عليها. هكذا شاء قانون الغاب.
كان العراق هو الدّولة الرّمز لعروبة اشتاقت أن لا تركع للمحتل الغاصب؛ ولكنه أجبره على الإذعان لمطالبه الحقيرة في نهب خيراته على مرأى ومسمع من منظمات الأمم المتحدة. دخل المستعمر الجديد في ثوب المبشّر بالدّيمقراطية وكانت عيونه شاخصة على النفط. فأخذ نصيبه و أرجع بلاد الرافدين إلى ما قبل الحضارة المسمارية.
جاء الدّور على سوريا الحبيبة جنّة العشق و الهوى، و أصبح التدمير عامل تركيع قسري. وخسرت الحياة فيها حرية الحياة في اختلاف و تسامح. وهرول إليهم جرذان المرتزقة فعاثوا في البلاد فسادا.وكان المستعمر دائما دليل تلك الغربان. وهاهو يفاوض من أجل امتصاص كل خيراته الباطنية و الجغرافية.
ولم تكن ليبيا بلد المختار بخارجة عن خارطة تدمير الأوطان و الاستيلاء على ثرواتها. وهي تختزن في أهداب صحرائها نفطا يسيل اللعاب وتهون من أجله خنق الرقاب. ليبيا تعاني تمزّقا في وحدتها. وهي التي كانت بلدا آمنا تأمن فيه الرقاب. ولن يعود إليه الأمن إلاّ متى أشبع الغاصبون وطرهم من نفط زلال.
بلدي قال لنا سوقة الساسة الأشرار أنّ هذا البلد اختارت له يد الجغرافيا أن يبقى خاليا من كل ثروة ظاهرة للعيان. و سوّق كلاب عويلهم أنّ الثروة الوحيدة هي "العقل الدّبار". تلك أكذوبة ظهرت هذه الأيام بشائر سخفها. و اتّضح أنّ التفريط في الحقوق غنيمته الحكم لسنين .
النفط هو مصيبة على الشّعوب التي تضع ثقتها في قوم يدوسون شعبهم بصبّاط التعذيب و القهر و الاحتقار. و هو نقمة لأبناء الشّعب المطالبين بحقّهم في ثروة اختزنتها لهم الطّبيعة منذ دهور و أحقاب.
أولائك المستغلّون لعرق أبناء شعبهم يأكلون مع الضّبع و يستهزؤون بكل من يطالب بالحقّ في نصيب الشّعب من خزائن الأرض. أولائك هم أصل الدّاء. هم الذّين قالوا لن يخرج المستعمر مهما فعلت بنادقكم الصّدئة. وهم الذّين بصموا بنجاسة أصابعهم ليبقى المستعمر جاثما على الحقول و الهواء و الدروب.
لا يمكن أن يعود الحقّ إلى أهله دون تضحيات جسام. ولكن العاقل هو من يختار كيف لا يخسر الوطن و ربّما معاداة الشّركات المستغلّة للثروات هو أمر ليس دائما محمود العواقب. و قد يكون التفاوض للوصول إلى نتائج تحفظ الوطن و سلامة الأنام أفضل من المجهول خطير الهيجان.
الحقوق لم يفتكها المستغلّ، بل يوجد من ساعده على نهبها من أبناء جلدتنا. و أمضى له سقط الأوباش عقودا قانونية و لا لبس عليها و لاغبار. أولائك هم الذّين يجب أن يدانوا و يحاسبوا لتفريطهم في حقوق الشّعب. وقد يكون خيار المقاضاة القانونية في المحاكم المحلية أو الدّولية مسلك يعاضد نيل المطالب دون إغراق البلد في الفوضى و الخسران.
يجب أن يكون الوطن منيعا مستقرّا هو البوصلة التي يعمل كل فرد على حمايته و الذود عنه و تفويت الفرص على العابثين و قطّاع خيرات الأوطان. و لا يمكن أن ينال شعب ما خسره بين عشية ونهار.