للحقيقة فإن ناجي جلول هو أنجح وزير على المستوى الاتصالي، صحيح أنه وصل إلى القطيعة مع النقابات، إلا أنه نزل من برج الوزارة العالي ولم يرتض لنفسه أن يعيش في حصار مثلما يفعل وزراء آخرون لا نكاد نتذكر أسماءهم أو نعرف وجوههم أو الوزارات التي يتولونها.
صحيح أن الإعلام قد خدمه وأنه أكثر الوزراء حضورا في القنوات والإذاعات، ولكن أيضا لا ننسى أنه كان يتنقل بين شمال البلاد وجنوبها، وزار مئات المدارس والمعاهد وقطع آلاف الكيلومترات، وهو ما أثر بالتأكيد على ترتيبه المتقدم في الأسبار، رغم ما قد يقال فيها.
المفارقة هنا أنه لم يستفد من ذلك شخصيا، وإنما المستفيد الأول من نجاحه الاتصالي هو حزب نداء تونس، وتشاركه في ذلك الحكومة نفسها. وبالنتيجة فإنهما أكبر الخاسرين اليوم من رحيله. ولو اقتصرنا على الحكومة، فإنها حرمت من خدمات وزير محارب، بقي يتلقى الضربات عوضا عنها، حيث لم يحتدّ الجدل والنقاش، خلال السنتين الفارطتين، بقدر ما وقع حول الملف التربوي، أكثر من ملفات أخرى حارقة بما في ذلك التشغيل وما أدراك.
وبالنتيجة فإن الحكومة ستفقد من الآن فصاعدا من يلهي عنها الناس والنقابات، بل قد يشعر البعض بأن إزاحة جلول هي انتصار أول يشجع على تحقيق المزيد من الانتصارات، وصولا في نهاية المطاف إلى سقوط الحكومة برمتها.
ربما يعتقد البعض أن تنحية ناجي جلول جاءت رضوخا للنقابات أو امتصاصا لغضب رجال التعليم أو إلهاء مؤقتا للرأي العام في واقع مأزوم، وقد يرى البعض فيها انتصارا لهم شخصيا أو حزبيا أو فئويا، دون -حتى- انتظار من يخلفه، إلا أن الأمر في اعتقادي مختلف عما يبدو في الظاهر، ذلك أن إزاحته تعني بوضوح أن حزبه قد تخلى عن حمايته، وهذا ناتج في اعتقادي عن حسابات ضيقة وشخصية متأتية من كون حركية جلول قد تغطي على طموحات البعض للانفراد بالقيادة الحزبية، بمعنى أنهم يستبعدونه خوفا من منافسته لهم.
وقد تكون تلك التخوفات مفهومة إلا أن الصحيح أيضا أن إزاحته من شأنها أن تفقد الحزب غطاء هو في أشد الحاجة إليه ولم يوفره إلا جلول، ليس فقط لقدراته الاتصالية وإنما أيضا لما يمثله في مركّب المنظومة. وإزاحته بالتالي تساوي حدوث خلل كبير.