أهي مجرّد خلافات داخلية أو تدوينة فايسبوكية هي القطرة التي أفاضت كأس ثلاثة قياديين في هيئة الانتخابات بينهم رئيسُها أم هي تهديدات حقيقية لنزاهة المنظومة الانتخابية و شفافيتها؟
وإذا كان عليها أن تضمن سلامة المسار الانتخابي فليس بإمكان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن تفيَ بالمهام الموكولة لها ما لم يتحلَّ أعضاؤها بالاستقلالية و الحياد فضلا عن الكفاءة و النزاهة، و هي مواصفات سجّلها عموم المراقبين وطنيا و دوليا إيجابا للسيد شفيق صرصار و الفريق العامل معه: أداء و وفاء للقيم التي تأسست عليها هذه الهيئة و بعثت من أجلها، إلا أنّ منسوب هذه الضمانات أخذ في التراجع بشكل لافت مع عملية التجديد الجزئية الأخيرة، استتباعا لقوانين اللعبة في المحاصصة الحزبية، بما أفضى إلى صعود عناصر إلى الهيئة، على ما حام حول بعضها من شبهات وقع لفت النظر إليها في الإبان، اتضح أنها في قسم منها ليست إلا أذرعا لأطراف سياسية لم يُؤتَ بها إلا لخدمة مصالح حزبية ضيقة. و إلا فبمَ نفسر اختراق النظام المعلوماتي للهيئة؟
و بمَ نفسّر قرصنة الحسابات الآلكترونية الشخصية لبعض أعضائها؟ و بم نفسّر تسريب قاعدة بياناتها و حتى مراسلاتها لعناصر بان بالكاشف أنها كانت على أتمّ الجاهزية للانقضاض على الهيئة : تجريحا و تشكيكا و قدحا في الذمّة؟ و بم نفسر الاستئثار بسلطة الفرار في الهيئة بلا حسيب و لا رقيب؟
أليس في هذا اختراقا لهيئة دستورية مستقلة و محاولة التفاف عليها ؟ أهو مجرد اختلاف في وجهات النظر و طرق العمل أو هي استراتيجيا من البعض لتقويض حلم التونسيين الجماعي في تجربة ديمقراطية يمكن أن تكون رائدة؟
مثلما رفض التونسيون أن تكون هناك دولة داخل الدولة، فإنهم يرفضون أن تكون هناك هيئة في صلب الهيئة أو بصريح العبارة أذرع حزبية لهيئة انتخابات موازية و بالتالي غير دستورية. شفيق صرصار باستقالته تحمل مسؤوليته التاريخية في استتباعات مسار انتخابي ضرار ليس هو بالمستعد أن يكون فيه شاهد زور، و من ثمة فليس وراء استقالته و القاضي مراد بن مولى و القاضية لمياء الزرقوني إلا سلّم قيم نبيلة قَصَّرَ غيره عن الارتقاء إليها، و ليس هو بالذي يدخل جُحر الضبّ أو يقبل بأن يقود التونسيين إليه. لقد دقّ ناقوس الخطر للتونسييين حتى يقطعوا طريق العَود أمام كل من يريد مرّة أخرى تفويت موعد جديد للتونسيين مع التاريخ، فلا تدعوه فارسا بلا جواد.