سؤال الإرهاب لا يُصاغ بالجذريّة المطلوبة في الخطاب السياسي ولا سيّما خطاب المعارضة، ويستوي في هذا الوظيفي منها والعضوي، حتى لا مبرّر إجرائي لهذا التمييز بين صنفيْها.
وتعتبر حادثة الاغتيال الأخيرة في السلطانيّة مثالا واضحا على تهافت "الخطاب المعارض" وسقوطه في نوع من "النمذجة السطحيّة" التي لا تتجاوز لوم الدولة على تقصيرها في حماية السكان المجاورينً لأماكن تحصّن بعض جماعات الإرهاب مثلما هو الحال في المغيلة وسمامة وغيرهما، وتقصيرها في عدم توفيرها بعض وسائل الحماية، أو تذكير رئيس الجمهوريّة بوعده الشهيد خليفة السلطاني بتوفير الحماية والرعاية، وأنّ رئيس الجمهورية لو وفى بوعده ما قُتل خليفة ولا بكته أمّه الثكلى ثكلا مضاعفا.
وينتهي الخطاب المعارض، بدون استثناء، عند التشديد على غياب استراتيجيّة لمكافحة الإرهاب تتبنّاها الدولة وتنفّٰذها الحكومة مسنودة بقوى المجتمع السياسيّة والمدنيّة. والمطلوب هو الإسراع بصياغة هذه الاستراتيجية الوطنيّة.
هذا الخطاب يشير إلى جانب من الحقيقة ولكنّه يهمل أساسها. وأساسها سؤال يبحث في العلاقة بين ثلاثي الدولة/السيستام/ الفساد، من ناحية، والإرهاب، من ناحية أخرى.
ما لم يطرح هذا السؤال يبقى الحديث عن الإرهاب كلاما أقرب إلى الإنشاء واللغو.
ولقد عرفت بلادنا بعد ست سنوات من الثورة ملامح واضحة للسيستام من بينها أباطرة للمال الفاسد والإعلام الموجّه وأسماء مافيوزيّة صار الجميع يعلم دورها في صناعة الحكم قبل الثورة وبعدها وتأثيرها المباشر في أطوار الانتقال الديمقراطي وتوجيهه بكل الوسائل بما في ذلك الاغتيال السياسي والاستثمار في الدم.
والسيستام الذي أعاد رموز القديم إلى الحكم تمكّن من تدجين قوة سياسيّة اجتماعيّة كانت تعتبر في تقدير المتابعين للتجربة أحد شروط تأسيس الديمقراطيّة ، روضها ودجّنها وجعل منها مكوّنا في تسوية هجينة تسمّى توافقا.
والسيستام بتسرّبه إلى مجالات المال والأمن والإعلام يسيطر على الدولة والإدارة ويمثّل الراعي الأول للفساد الذي صار بنية .
والسيستام مثلما يخترق الدولة يتقاطع مع الإرهاب ويستثمر فيه. وبقدر قيام الإرهاب حقيقة ماثلة من خلال جماعات تكفيريّة معلومة تشهد عليها جرائمها في حق جيشنا وأمننا، تقوم دلائل على شروط صناعة للإرهاب هي في جوهرها استثمار سياسي في جرائمه بغاية منع تأسيس الديمقراطيًّة والمواطنة الاجتماعيّة. وإلاّ كيف يُترك من صرّح بأنّه يعرف من اغتال الشهيدين بلعيد والبراهمي. والجميع يعلم أهميّة أن يُعرف المجرم وتداعيات كل ذلك وأثره في قلب الأمور رأسا على عقب.
الفساد اليوم ينخر الدولة، وما أعلن من حرب عليه لا يعدو أن يكون حربا بين فاسدين. لا يمكن أن تكون حرب على الفساد وشبهات فساد متعلقة بوزراء ( GO MALTA) ورؤساء أحزاب ( وثائق بنما)،دون تتبع وتحقيق . ولا يمكن أن تكون حرب على الفساد وأكبر رموز المافيا وناهبي المال العام طلقاء يعيثون في البلاد.
ولا يمكن أن تكون على الفساد بسكوت على قانون من يقودون هذه الحرب على المصالحة الاقتصادية الممأسس للفساد والحامي لثلة من عصابة السرّاق.
لا يمكن أن تكون هناك حرب على الإرهاب وممثّلو أحد الأحزاب ونواب عنه يجتمعون بالميليشياوي حفتر في الشرق الليبي، ويخبر أحد المنسلخين عن حزبهم ( وليد الجلاد) بأنّ رئيسه اجتمع مع المرتزق محمد دحلان...
السيستام هو الذي جعل من الدولة والإدارة بنية منتجة للفساد، وللفساد تقاطعاته الموضوعيّة مع الإرهاب ، فكلاهما يناهض المواطنة الحرة والسيادة العزيزة. يلتقيان في محاربة الإنسان والحرية. وهو ما يسمح بالقول إنّ السيستام وامتداداته يراكم كل شروط الاستثمار في الإرهاب بدل مقاومته. وهو مستعدّ اليوم ليقحم البلاد في موجة ثانية للثورة المضادّة تسعى إلى نقل ثقل مواجة مشروع المواطنة الاجتماعيّة واجتثاث روافده ( تدمير مصر واليمن وسوريا والعراق)، من "الشرق الأوسط" إلى المغرب العربي لطمس ذكراها في تونس وزعزعة الجوار…
الموجة الأولى من الثورة المضادّة تزعّمتها ما بقي من أذرع الاستبداد( في الظاهر على الأقل) والموجة الثانية يتصدّرها"الصهاينة العرب" من ممالك القطران الموروثة.
لنخرج من اللوم إلى الإدانة..