الكامور:نهاية رجل شجاع

Photo

سواء انتهت وساطة الاتّحاد العامّ التونسي للشّغل باتّفاق مجز أو لم يحصل،فإننّي أعتبر هذه الخاتمة،غير لائقة بحراك مواطني سيادي تحرّري،وثقنا منذ أيّامه الأولى في إمكان تغيير المشهد السياسي الجهوي و إحداث نقلة نوعيّة في الوعي العامّ ،خاصّة و قد انبثق عن شبيبة أبدت الضّيق و البرم بحدود الفاعل السياسي الرسمي،من أحزاب و منظّمات وطنيّة و شخصيّات اعتباريّة.

كان المأمول أن يتطورّ الحراك بهذه العقليّة في أفق تحرّري شبيه بتجربة جمنة،حيث التضامن الأهلي و القرار الشعبي الجامع لكلّ المواطنين،بغاية نحت ملامح سياسة جهويّة جديدة،تصنعها الجهة و تفرضها على المركز،بما يقلب المعادلة السّائدة منذ بدايات الدولة الوطنيّة،و بما يسهم في تركيز آليّات و مناهج السلطة المحلّية و الجهوية المنصوص عليها دستوريّا.

هذا الأفق،كان يلوح طيلة الشّهرين الفارطين ممكنا ،لما شهدناه من دعم جماهيريّ عارم لتنسيقيّة الكامور ،و لما عايشناه من حراك مدني بالجهة،تفاعلت فيه مختلف الحساسيّات الفكريّة و الأيديولوجيّة و السياسيّة،بالحوارات و النقاشات و المقترحات الرّامية الى الوصول بالكامور الى مرتبة الحراك الرمز، الملهم لكثير من الشباب و المتابعين و المهتمّين.

و لقد خلق الكامور حالة مدنيّة عالية بالجهة لم تشهدها مطلقا في كلّ ماضيها حتّى إبّان الثورة،فأخذ يتشكّل حزام مدنيّ من المهتمّين بالشأن الجهوي و كلّ مشاغله المتعلّقة بانجاح هذا السعي المواطني من أجل التنمية و التشغيل،و لعلّ بعضا من أفراده و هو يسخر من مبادرة الحزام الجمعيّاتي،ليس واعيا أنّه بمتابعته و مشاركته الفايسبوكيّة و نزوله للمسيرات ،و استخباره و اقتراحه و نصحه و تحذيره،إنّما هو في قلب المعنى الحقيقي للمجتمع المدني المنشود،و ان كان بالقوّة و ليس بالانتظام. كان هناك أمل أن يتعاضد الطرفان،الجناح الميداني و الجناح المدني،أن يتفاعلا،أن يتضامنا و أن ينتجا طبقة سياسيّة جهوية جديدة،هويّتها كاموريّة،و أفقها سيادي تحررّي،تخرج بالجهة نهائيّا من وصاية ( ركاي)،خردة رسميّة من الفاعلين،محكومة بشروط و قواعد السياسة المملاة من المركز،و المصلحة الذاتيّة.

و كان يمكن لهذا الأمل أن يتحققّ،فقد تحققّت جمنة و نجحت،و هو من ممكنات الشّعوب لا الحاكمين،غير أنّ العودة الى جلباب الدولة المركزيّة عبر ذراعها النقابي،يشي بتبخّر الأمل و نهاية الحلم الجميل.

خيبتي من اللجوء للاتحاد ليس مأتاها موقف شخصي معادي هذه المرّة من المنظّمة،بقدر ماهو شعور بعجز الشبيبة عن مواصلة فتوحاتهم السياسيّة،و انطلاقهم من قيود الدولة المركزيّة،فهم يستدعون الاتحاد من الشبّاك ،بعد أن أخرجوه من الباب،كغيره من الفاعلين الآخرين الفاشلين عن انجاز المهمّات الوطنيّة الكبرى.

لا تهمّني هنا أسباب هذا النكوص،و هذه الارتماءة في حضن الاتحاد بالذات ،و لا تبريراتها المضحكة،و لكنّي أكتفي بتذكير نفسي،أنّني كنت قد وضعت منذ بداية الحراك في تطاوين احتمالات الفشل كاحتمالات النّجاح،و اكّدت أننّي سأظلّ معجبة و مقدّرة للتجربة بصرف النّظر عن مآلاتها،التي أرجو أن تكون في مستوى تطلّعات الشّبيبة،ففي النّهاية،التجربة غير مسبوقة،و الشّبيبة تفتقر للخبرة في مجال الشأن العامّ،أضف اليها ما شابها من ضغوطات و تجاذبات و اكراهات جمّة،وربّما تكون قد راكمت من الخبرة ما سيفيد في أيّ تحرّك قادم،و يجنّب الجميع نقاط النقص و مواطن التقصيرو الخطاء.

الكامور،ما كان بالامكان ،أفضل مّما كان...الآن،لكنّ المستقبل يظلّ مفتوحا على كوامير متجدّدة في ظلّ تواصل نفس السّردية:شعب مفقّر مهمّش في مواجهة دولة فاسدة سارقة ظالمة.

فالرّخّ لا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات