مهرجانٌ طُبِخَ.. ببهاراتِ "زين العابدين"

Photo

كنت على يقين أن الوزير الذي يحمل جينات "بن علي" في اسمه وفكره، سيستدعي طبّاخي النظام القديم ويفتح المجال لهم كي يعدّوا وجباتهم المسمومة ويُجهزوا من خلالها على ما بقي من نفس ثوري يؤرّق مضجعهم. وحين اطلعت على برنامج مهرجان قرطاج، واجهة التظاهرات الثقافية التونسية ومرآة الوعي الجماعي والصورة التي يراد لها أن تسوّق لتونس الجديدة، تيقنت من ظنوني فالوجبات تحمل كل بهارات بن علي، إذ عادت عروض "فنانو الكليبات" وعادت معها "الرّبوخات" التي تخاطب الجزء السفلي وتغيّب العقول، ألا يكفي أن هذا "الهمبرغر الفني" معمّم في الفضاء التلفزي؟

الأدهى، هو عودة رموز احتفالات الانقلاب النوفمبري، ومعه ستعود للأذهان أنغام كـ "بالأمن والأمان يحيا هنا الإنسان" لصوفيا صادق، وإن كان من المتوقع أن تتزيّن بالسّطو على بعض الغناء الثوري للشيخ إمام. ولكن العقل الباطن سيربط بين هكذا حفلات وأخرى تماثلها في العشرية السابقة. وهي في اعتقادي ليست سوى تجربة "المسّ الكهربائي" التي يعتمدها الأطباء كي يتأكّدوا أن عضواً (كل مواطن) من أعضاء الجسم (الوطني) لم يعد مرتبطاً بالجهاز العصبي الثوري (الضمير الحي للشعب التونسي).

أخيرا، وكتتويج لهذه البجاحة، وقع برمجة عرض لـ "ميشال بوجناح" على ركح قرطاج، رغم تونسيته التي لا نناقشها، يبقى ذلك الصهيوني المتمترس مع الكيان الغاصب قلبا وقالبا. وكما كل مرة سيقدّم سكيتشاته الهزلية من أجل تسريب التطبيع مع الكيان الغاصب إلى مسام الوعي الجماعي.

يتمنّون أن يتآكل الموقف التونسي الثابت تجاه القضية الفلسطينية، أو أن يُسقِطوا من ذاكرتنا اعتداء حمام الشط. وفي إطار نفس اختبار المسّ الكهربائي يريدون أن يتأكّدوا من لا مبالاة المواطن تجاه ما أكتُشِفَ بعد الثورة من علاقات "بن علي" بالكيان الصهيوني وتورّط أجهزته في دماء قيادات الثورة الفلسطينية؛ أبو جهاد وأبو إياد.

إذا كانت ذاكرتنا البعيدة لا تسعفنا.. فالأكيد أن ذاكرتنا القريبة ستسعفنا بما فعله الموساد بالمهندس الشهيد "محمد الزواري" في صفاقس، ومن المضحكات المبكيات أن اليوم حين تحسّس الوزير صلابة موقف المجتمع المدني والقوى الثوريّة ضد تواجد بوجناح على ركح قرطاج بجميع دلالاته الوطنية، بدأت مراوغاته مستدعياً خطاب الحوار والليونة وحيادية الوزارة عن عمل إدارة المهرجان التي قررت استضافة بوجناح، وكي لا يستغبينا "زين العابدين" يجب ألا ننسى أنّ استقالة آمال موسى سببها تدخّل نفس هذه الوزارة المفرط في إدارتها للمهرجان. للأسف حتى الأسلوب قريب من سياسات الديبلوماسية الإسرائيلية التي كلما تحسّست صلابة المقاومة دعت للحوار والمفاوضات.

أين كان الوزير – ودعوته للحوار مع المجتمع المدني – حين تلكأ في منح تصريح العرض للمسرحي الفرنسي الكاميروني "ديودونيه" حتى ألغيَ انصياعا لهاتف من السفير الفرنسي. وللمفارقة "ديودونيه"هو ممنوع في فرنسا من العرض بسبب معاداته للصهيونية، في حين يريد الوزير وفريقه إتاحة قرطاج لـ بوجناح نصير الصهيوني.

حادثتان جاءتا كي نعرف بوصلة الحكومة أين تشير: للقدس أم تل أبيب؟ عملا ببيت مظفر النواب "بوصلة لا تشير إلى القدس.. مشبوهة".

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات