النصف المُطبّع…

Photo

في موضوع بوجناح كما في جميع القضايا الأخرى.... انشطر المثقّفون في تونس إلى شطرين ... شطر مُمانع وشطر مُضادد للمنع (حسب تعبير بعضهم.)

الأستاذة امال قرامي وجدت نفسها تجلس مع النصف المُطبّع )المُعارض لطلب منع بوجناح) حيث كانت من بين الممضين على عريضة رفض المنع، لكن على ما يبدو فاجأتها المطالبة الصريحة لمُثقّفين توانسة بمنع بوجناح من الصعود على رُكح قرطاج. (الوثيقة المنشورة في جريدة المغرب.)

من طلبوا المنع ينتمون إلى فئة من المُثقّفين الذين عُرفوا باستقلال الموقف وحيادية الرأي، إضافة إلى مواقعهم المتميزة داخل فضاءات المعرفة والفنّ والثقافة... كما أنّ أغلبهم يتميّز برؤية واضحة وبوصلة مُعدّلة على قضايا شعوبهم لا يشتغلون بكوموند وليسوا مُنخرطين في أجندة خارجية.

الأستاذة قرامي في البداية ظنّت أنّ "طالبي المنع" جماعة مسيّسة ومؤدلجة تنتمي إلى "الغوغاء" وضعاف "الحجّة" من جماعة الفايسبوك …

ولذا مُضاددتهم تعني تأكيد الإنتماء إلى شقّ الحداثيين العقلانيين الذين يتعاملون مع الوقائع والأحداث بموضوعية وحياد. فالمعركة في ظاهرها (أو كما أرادوا ترويجها) بين "مُدوّنين" (يحبّوا ينبّروا على كلّ شيء) مدوّنين لا حول لهم ولا قوّة ونخبة تمتلك المواقع والموارد والنفوذ وخاصة صكوك الإنتماء إلى قيم "الحداثة". لكن القضية أعمق مما تصوّرته (أو أرادت أن تتصوّره وتُصوّره للناس) الأستاذة قرامي فالمسألة اتضح أنّ لها أبعادا هووية وسيادية ووطنية.

وهكذا يبدو أنّ الأستاذة لمّا اكتشفت أنّ بعض الظنّ إثم سارعت بالتعديل من موقفها حتى لا تفقد موقعها مع هؤلاء (الحداثيين المُطبّعين) وفي الان نفسه تُحافظ على مجلسها مع اولئك (الحداثيين الممانعين). فكتبت نصّا تُبرّر فيه موقفها الأوّل لتُعلّل وجودها مع شقّ المُطبّعين وتؤكّد أنّها مبدئيا وقيميا تنتمي إلى شقّ الممانعين.

طبعا الأستاذة أمال قرامي تمتلك إلى جانب الموارد المادية والرمزية الذكاء وسرعة البديهة التي تسمح لها بتبرير الموقف وضدّه فهي أستاذة الحضارة بالجامعة التونسية وإحدى التلاميذ المميّزين لعبد المجيد الشرفي لها علاقات في جلّ البلدان العربية والأجنبية هي مسنودة محليا وإقليميا ودُوليا تتمتّع بدعم غير مشروط من جلّ الجامعيين والأكادميين التونسيين ( بدا هذا بشكل واضح في التعليقات على نصّها.(

لكن أظنّ انّ هذه المرّة خانتها اللغة وبدا النصّ مهزوز الأسس وضعيف الحجّة وركيك الصياغة. رغم التصفيق الشديد لجلّ المُعلّقين وخاصة إشادة شكري المبخوت بمضمون النصّ وتثمينه لموقفها (اللاموقف.)

أمال قرامي أنموذج للمثقّف التونسي الذي يُحسن البناء لكن كثيرا ما "تخلّط" القيم بالسياسة، فتبتعد على "الخزمة" وتأتي البناية "حولة".

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات