الوصاية على الفن

Photo

في ظل غياب المؤسسات الفنية في العالم العربي تنشط جهات لفرض وصايتها على المشهد الفني برمته. تلك الجهات لم تتشكل بمحض الصدفة. ذلك لأن سوق الفن كما صار معروفا هي مجال حيوي لتصريف الأموال وصولا إلى غسيلها وتبييضها وهو مستوى لا يدانيه في الخطورة ما كان رجال الأعمال في العالم يمارسونه من أجل التهرب الضريبي بذريعة رعاية الفنون.

ما يحدث اليوم أن أفرادا نصبوا أنفسهم عرابين للفن يملكون سلطة القرار في كل ما يتعلق بحركة الأعمال الفنية.

طبعا لا تزال هناك نوافذ صغيرة للعرض يتمكن من خلالها بعض الفنانين غير المشمولين بالوصاية أو الرافضين لها من عرض أعمالهم ولكنها نوافذ صغيرة لا تصلح للقياس أو المقارنة.

أما القاعدة الراسخة فإنها تقوم على تحالف لم يعد سرّيًّا بين عدد محدود من الناشطين في مجال تجارة الأعمال الفنية وعدد من رجال الأعمال الذين وجدوا في الفن واجهة نبيلة لإخفاء حركة أموالهم.

ما صارت المزادات العالمية تتحدث عنه من مكاسب مالية مليونية إنما هو جزء من ذلك النشاط المريب الذي صار يلقي بظلال كئيبة على المشهد الفني في العالم العربي.

وبسبب ذلك الواقع فقد صار الفنان العربي يقف بين خيارين، إما أن يتنازل عن حريته واستقلاله ليكون خادما ذليلا لشروط الوصاية التي ستفتح أمامه أبواب الشهرة والمال وإما أن يختار العزلة ويكون منبوذا محتفظا بكرامته ومزاجه المتوتر بسبب شعور متعاظم بالظلم وعدم الإنصاف.

وما ينبغي الاعتراف به أن أولئك الناشطين قد تمكنوا وبطريقة محكمة من وضع أيديهم على كل المسارب في السوق الفنية، ما يدخل إليها وما يخرج منها.

وبسبب تلك السيطرة الكاملة لم تعد شروط الفن الحقيقي قائمة على الموهبة المتمردة والتمكن التقني والحرفي والبحث الحقيقي عن معنى الفن والخيال المتمرد بل على تنفيذ شروط الوصاية في مستوياتها المختلفة بدءا من الخضوع للذائقة السائدة وانتهاء بالتماهي مع الشائعات التي يطلقها الناشطون الذين صاروا سادة الفن.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات