في مقهى المرحوم يوسف ذات عشية مروحة بعد موجة من الشهيلي اللافح، يجلس الكشاد بن صالح وهو "صباب وقواد" سابق للسلطة الحاكمة وانخرط في اكثر من عشرة احزاب بعد الثورة. يأمر بقهوة "فيلتر" وهو مزهو بعودة ارباب نعمته الي سدة الحكم.
هو لم يتحصل على مبالغ مالية كبيرة نظير خدماته الجليلة وحالته المادية والاجتماعية لازالت عل ماهي عليه منذ "التحول المبارك". ولكنه يرضى بالقليل ويجد متعة كبيرة في الصبة والقوادة. ويكون سعيد أكثر لو نقلوه مجانا إلى أحد اجتماعاته بمركز المدينة في احد النزل الفاخرة ليأكل ما إذ وطاب ويحتسي الكثير من الجمعة المجانية مع "زملائه في النظال " أمثال حسناوي الدواز والطيب بن صالح بن علي.
وهو كذلك يحتسي القهوة ومزهو، إذ جاءه عمار بن نزار وهو شاب مرخو الاعصاب بالكاد يتحكم في جسمه. غير ان لسانه طويل وحديثه في السياسة كثير برغم انه لايفقه شيئا وداخلها "فركة وعود حطب". وبادر الكشاد قائلا: "خلص المبروك ، ها قد عدتم آل الحكم وقد دفعتم أمس الكثير من الأموال واستدعيتم الأموات للتصويت."
ضحك الكشاد طويلا لاغاضة الآخرين وقال:" لقد أرتحنا منهم. يريدون العودة بنا 3000سنة للوراء. " عندها التفت لي صديقي مبتسما وقال: " لقد أضعنا من عمرنا أكثر من 20 سنة نتعلم وها إن الكشاد يدز في البيدق. أتعرف انه حداثي أكثر مني ومنك. انت زرت أكثر من بلد وأنا كذلك، وناقشنا الدكاترة في الجامعات ونلنا شهائدنا ولكننا حسب الكشاد لازلنا في العصور الحجرية ."
اجبته بأن الكشاد حداثي أكثر منا. فهو يجهز الولائم للحطابة اخت انس وهي مرتدية "الميني جيب" ويجري بدون توقف في اجتماعات المزروب ينظم الصفوف ويدعو النسوة اللاتي أتي بهن على أساس سيداوين مجانا عند القافلة الصحية التي ستجلب الجمهور، إلى الانصات والسكوت بينما ولى نعمته يخطب فيهن.
ثم ألا ترى أن اعلامنا يصنفهم حداثيين وتقدميين، وغيرهم لا. فعندما نحتاج سلاحا للدفاع به عن بلدنا، أو دواءا لشفاء مرضانا أو آلات لتجهيز مصانعنا سنستعين بحداثتهم وسيتكفل "رشدي بلقاسمي و شمس الدين باشا وزازا وكافون…… الخ بالواجب.
إن الحداثة في تدوير الحزام واللسان واليدان يا صديقي. حداثتنا تتمثل في دعم النوري بوزيد وسلمى بكار بالمليارات لإنتاج افلام هابطة ويترك ريفنا المليء بأمثال الكشاد بلا ماء ولا طريق معبدة ولا رعاية صحية أو اجتماعية فيهج الخلق ينتحر الناشئة. هيا بنا نشكّل "طرح رامي" ودع الكشاد مزهوا بحداثته.