انه من غير الواضح لدينا سبب اصرار السعودية ومن معها على تبني قوائم "الكيانات الارهابية المرتبطة بقطر".
فليس خافيا بأن هذه القوائم لا قيمة قانونية لها بالمفهوم القانوني الدولي بل ان مضار ومساوئ وتبعات هذا الاجراء أكبر بكثير من أي مصلحة مؤقتة ربما تشغل الناس بأمور سيكونون أول ضحاياها على المدى البعيد ونذكر هنا ببعض الحقائق:
- ان الأمم المتحدة كانت دائما تصر وتذكر في كل مناسبة بأنها لا تعترف الا بالقوائم التي لديها والأدوات الأممية مثل مجلس الأمن ومحكمة الجنايات والأنتربول وُجدت لحل مثل هذه النزاعات المختلف حولها وللتذكير فان المسؤولين الأمميين يدعون باستمرار ويلحون على الجميع وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الى التعاون في اعتماد قوائم الأمم المتحدة والتشارك في تحيينها .
- كما أن جميع الدول والكيانات التي لديها قوا ئم خاصة بها وجدت نفسها في ورطة مع تزايد المطالبات بوضع تعريف دقيق للإرهاب وصعوبة التعامل مع قوائم مختلفة ومتباينة كما أن تكلفة التعامل بها باهضة وجدواها تكاد تكون معدومة. ولعل هذا ما جعل الولايات المتحدة تراجع سياستها ما بين سنتي 2016_2015 وعملت على انشاء اليات جديدة لمجابهة الوضع كما أن الإتحاد الأوروبي بدأ باعتماد صيغ جديدة مع تواصل التباحث في الاتفاق على أفضل الآليات للتعامل مع المخاطرالجديدة مثل الارهاب والجرائم الاكترونية .
- ولعل تعريف الإرهاب كما حددته المحكمة الجنائية الدولية أوقع عديد البلدان، التي يغيّب شعوبها عن اتخاذ القرار، في حرج كبير ووضعت البعض منها في دائرة الإتهام المباشر. فالإرهاب بحسب تعريف الجنائية الدولية هو استخدام القوة أو التهديد بها من أجل إحداث تغيير سياسي، أو هو القتل المتعمَّد والمنظم للمدنيين أو تهديدهم به لخلق جو من الرعب والإهانة للأشخاص الأبرياء من أجل كسب سياسي، أو هو الإستخدام غير القانوني للعنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أو حكومتهم للإذعان لأهداف سياسية، أو هو، استخدام غير شرعي ولا مبرَّر للقوة ضد المدنيين الأبرياء من أجل تحقيق أهداف سياسية وكل هذه التعريفات تتفقٌ على العناصر الثلاثة للإرهاب الدولي وهي : العنف أو التهديد به واستهداف المدنيين الأبرياء أي غير المتحاربين، وتحقيق أهداف سياسية أو تنفيذً لدوافع سياسية.
- وأكدت عديد الأمثلة التي رفض الأنتربول التجاوب معها خلال السنوات الأخيرة أو نجاح الكثيرين في رفع أسمائهم من قوائم الأنتربول بأن فوضى القوائم "الإرهابية" أصبحت تثير السخرية والتندر في العديد من المحافل والمناسبات.
- ففي بداية السنة الحالية وبعد صدور حكم محكمة جنايات القاهرة في القضية رقم 653 لسنة 2017 ورغم نشرها في الجريدة الرسمية المصرية فانه تم التجاهل الكامل بل التنديد ب "العرائض و الكيانات الارهابية" بحسب تصنيف القضاء المصري الذي أدرج أسماء 1502 متهم في هذه القضية لوحدها وتبين بعد فترة بأن عددا كبيرا من الذين تم ادراج أسمائهم في قوائم الإرهاب هذه يعيشون في الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وسويسرا ولم يكن لهذا القرار المصري أي تأثير على حياة هؤلاء بل العكس هو الذي حصل في عديد البلدان حيث اشتكى البعض من هؤلاء والجمعيات الداعمة لحقوقهم المدنية والسياسية بالقيادة المصرية الحالية لدى القضاء المحلي والدولي وهذا يشكل خطرا حقيقيا على تحرك وسفر العديد من المسؤولين المصريين.
- إن تزامن نشر القوائم والحديث عنها مع الإعلان عن أحكام الإعدامات في مصر والسعودية واتهام التقارير الأممية بشكل مباشر للإمارات بدعم الكيانات الإرهابية في ليبيا ومواصلة الإمارات توفير الحماية والدعم للكثير من الأشخاص والكيانات المصنفة إرهابية أوالهاربة من العدالة الدولية - كل هذا يزيد الضغط على السعودية ومن يقف معها اليوم وسيعقد الملف السعودي على المستويين السياسي والحقوقي على المستوى الدولي.
- من الواضح أنه مع تزايد متاعب الرئيس ترامب داخليا وتنوع الرفض الشعبي والمؤسساتي لتوجهاته، سيكون من شبه المستحيل عليه إيقاف مسار ما يعرف بقانون "جاستا" وهي الآلية التي أوجدها القضاء الأمريكي لتعويض ضحايا عائلات 11 سبتمبر وبالتالي ستُجرّ السعودية لدفع مئات المليارات الإضافية. ولم يعد خافيا بأن بعض الجهات النافذة في أمريكا أصبحت تدعو صراحة الى وضع اليد على أموال الصندوق السيادي السعودي والذي يقدر بحوالي 900 مليار دولار مما سيدفع السعودية لمزيد التقشف والتفريط في المنشات والمؤسسات العمومية.
- ومع تواصل تصدّر أزمة الخليج لعناوين الصحف في الغرب، تزداد الضغوطات على الحكومات لكشف الدور الذي لعبته دول المنطقة وبخاصة الخليجية منها لدعم الإرهاب ولعل المطالبات المتكررة لقيادات من حزب العمال والأحرار لنشر تقرير المخابرات البريطانية الذي رفض دايفيد كامرون نشره سنة 2016 من أجل حماية المصالح الاستراتيجية البريطانية خير دليل على الورطة التي وقع فيها الجميع. ومنذ أسابيع أصبحت تتزايد التسريبات الصحفية عن التورط الكبير للسعودية في دعم الإرهاب وتُتّهم رئيسة الحكومة تيرتزا ماي بالتّستر على نشر التقرير لحماية الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية مع السعودية.
- ولقد أصبح واضحا بان عددا كبيرا من هذه " الكيانات الإرهابية" هي في الواقع تقوم بأعمال خيرية وإنسانية مشهود لها عالميا بل إن بعض هذه المؤسسات مسجلة ومعتمدة لدى الأمم المتحدة وهي شريك معتمد لعدد من أبرز منظمات الأمم المتحدة مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمات الأمم المتحدة للاجئين كما أن بعض هذه الجمعيات شريك للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، ونفذت معها عددا من المشاريع هذا اضافة إلى أن عددا آخر من هذه " الكيانات الإرهابية" كان أشرف على مشاريع مشتركة مع منظمات وجمعيات وهيئات سعودية وإماراتية و بحرينية .
- ويؤكد المسؤولون القطريون بأن بلادهم ليس لها أي علاقة بأي من التنظيمات الإرهابية التي حددتها الامم المتحدة وهي عضو فعال في التحالف الدولي لمحاربة هذه التنظيمات وقد اعترف لهم العديد من المسؤولين الغربيين الكبار بهذا الدور ولعل اتفاقهم الأخير مع الإدارة الأمريكية لتعزيز محاربة الإرهاب، منحهم حجة قوية يصعب دحضها أو التشكيك فيها.
ويستوجب الوضع اتخاذ قرارات جريئة وحكيمة لإيقاف النزيف ولملمة الأزمة الخليجية بين السعودية وقطر بدرجة أساسية لأن مسار الأحداث يشير بوضوح بأن مقدرات وخيرات وثروات شعوب المنطقة مهددة بشكل جدي اذا لم يتم التوصل لحل سريع للأزمة أما فوضى "القوائم الإرهابية" فان المتضرر الأساسي منها هي دول المنطقة التي تتعرض مقدرات شعوبها للخطر.