لماذا لم تكن لدى رئيس الدّولة الشّجاعة الكافية للدعوة إلى تقنين المساواة في النفقة بين الرّجال والنّساء على غرار دعوته إلى تقنين المساواة في الإرث؟ طبعا لأنّ ذلك سيشكّل فوضى اجتماعيّة وقانونية في ظلّ الفقر المؤنّث وحجم البطالة في صفوف النّساء وخاصّة صاحبات الشهادات العليا كما لن يكون مناسبا لحملة انتخابية تستهدف القاعدة النسائيّة.
ماذا لو وقع تقنين المساواة في النفقة لإسكات أفواه الرّافضين للمساواة في الإرث "على فرض عدم وجودها في التّشريع الإسلامي" فهل يقبل النّساء أن يرفع عليهنّ الرّجال قضايا في النفقة مع ما تقتضيه من عقوبة زجريّة أو سجنيّة في حالة عدم الإنفاق على غرار ما يحصل للرّجال؟ وهل سيتمكن عندها الكثير من النّساء من الزّواج دون أن يكون لهنّ مورد رزق للمساهمة في الإنفاق؟
ثمّ ألن يصبح الزواج مع المساواة في الإنفاق صفقة بين متقاربي الدّخل لتحصل المساواة التامّة فيصبح الزواج ارتباطا على أساس التّوافق الطبقيّ والتناسب في المقدّرات المادّية، وتبقى عديمات الدّخل بدون زواج أو تتزوّجن مقابل الخدمة الإلزاميّة في البيت التي تصبح في الوعي العامّ نظير الإنفاق أو عوضا عنه ويعفيها من المساهمة الماليّة فيه، رغم أنّ التشريع الإسلامي يجعل الإنفاق مقابل حسن المعاشرة لا مقابل عمل البيت الذي يبقى مسالة غير ملزمة على وجه الفرض والوجوب بل هي متروكة للأعراف الاجتماعيّة.
وهل يمكن أن يترتّب عن العمل الإلزامي المقنّن في البيت على سبيل العوض عن الإنفاق أشكال من التقاضي والأحكام من قبيل " سيّدي الرّئيس بيّتتني بلاش عشاء أو ما حددتليش حوايجي ... !!! فيطلب منه سيادة القاضي شهودا على فعلتها المخلّة بالمساواة ويصدر حكمه الذي يجب أن يكون مساويا لأحكام الإخلال بالنّفقة لتكون المساواة تامّة، صورة قد كاريكاتوريّة لكنّها من الاستتباعات المنطقيّة والواقعيّة للافتراض القانوني.
وماذا لو رفض الرّجال هذه المبادلة على افتراض أنّها لا تجسّد المساواة الحقيقيّة ونزعوا إلى الزّواج من ذوات الدّخل المادّي لتنمية موارد الأسرة والتخفّف من عبء النفقة العينيّة، ألن يضاعف ذلك نسبة العنوسة في البلد خاصّة في صفّ معدومات الدّخل بدون عمل أو إرث يساهمن به في الإنفاق؟
خلاصة القول: القوانين المرتجلة المشوّهة لا تنتج إلا واقعا مشوّها وعوض أن يكون القانون مساعدا على تنظيم المجتمع يصبح مدخلا للفوضى والاحتراب الأهلي الصّامت.
أحد أصدقاء الفايسبوك يلاحقني على الخاصّ لماذا لا تملك الشّجاعة لتقول للنّاس إنّ الله أعلم بخلقه وقد حسم المسألة بوحي قطعي لا يقبل الاجتهاد فصاغ لهم قانونا يحقّق المصلحة ويراعي كلّ الحاجات والاوضاع؟ جوابي له ولمن يفكّرون على هذا النّحو، هي الخشية من مصادرة الحقّ في التفكير وتجريم الرّأي المخالف، وخلق بؤر توتّر جديدة باسم المقدّس ولعلّ هذا من أهداف الدّعوة، فليكن الجدل مدنيّا إذا بعيدا عن صراع المقدّسات باسم الدّين أو الحداثة.