لا تكاد تمرّ من مكان إلى مكان وتجيل بنظرك بين الزوايا والأركان حتّى ترمق من يسبح في هذا العالم الفسيح الشّاسع منغمسا منهمكا مشغولا مهموما غير عابئ بمن حوله يكتب يحملق ينتقد يتواصل أو يسرد علينا خواطره وإبداعاته وطلعاته أو حتى تسبيحاته وتعويذاته ويبثّ احيانا آلامه وأحزانه وأفراحه واتراحه .
العالم الإفتراضي مصدر الإكتئاب : سوق عكاظ إفتراضيّة وكلّ بمزاجه وهواه وعدّته وعتاده يحلّق ويعلّق ويتعملق ويجادل ...... "يتهادى يتمطّى يتمايل ظنّ أمثاله في الدنيا قلائل ". إلى من ترك الأهمّ والمهمّ وغرق في الهوامش والشواغل وما تفطّن أنّها شواغب تدخّلت في حياته الخاصّة وقيّدت إرادته وسلبت راحته وعطّلته عن أداء صميم وظائفه ومهامه لقد أصبحت حياتك يا هذا عاديّة بالأثر المخدّر الذي لا إنفكاك منه فلا إستجابة لتحدّي بل إمتصاصا لطاقتك وتوابعه الضعف والخمول والكسل.
أكاد أجزم أنّ هذا العالم الإفتراضي من الطوارق الشيطانية التي تأتي بسبب وتتسبّب لصاحبها بعد إستهلاك وقته وجهده وإلتهام زمانه إنقباضا وإكتئابا وقلقا وعدم إرتياح عكس الواردات الرحمانيّة التي لا تاتي بسبب ويشعر بعدها الشّخص براحة وإنشراح وطمأنينة. "
ألا بذكر الله تطمئن القلوب " : فإلى متى الإنهماك والإنشغال وإستهلاك الواقع والزمن بكل إرهاصاته وتمظهراته وتجليّاته وسلبياته. لو إستبدل الإهتمام والإنصراف إلى العالم الإفتراضي بالمطالعة او بالرياضة بانواعها واصنافها المختلفة ومنها البدنيّة والروحيّة لأمكن صقل الشخصيّة وإغناء التجربة الإنسانيّة بتحقيق المنفعة والمتعة والمصلحة الشخصيّة والجماعيّة وكذلك الإرتقاء إلى صفة الممتهن المتبصّر والإنسان الباحث الناقد البصير عوض الموظّف المقصّر أثناء أداء واجبه والإنسان القاصر في فهمه وسلوكه .
فهلا إلتفتنا نحن العرب إلى تراثنا الثريّ لنثري زادنا وعدّتنا ليكون لنا خير زاد ورافد ومعين فنتبصّر ونتيقظّ لما يحوم حولنا من تحديّات وما يحاك لنا من دسائس ومشاريع تخريبية وحتى لا تنطلي علينا إرهاصات الحداثة ومخرجاتها. فقد اصبحنا كائنات إستهلاكية بإمتياز ووطننا أضحى سوقا لما ينتجه الغرب الطائر بجناحيه قيمه وقوانينه القافز بإبداعاته وإختراعاته. فما يحيكه لنا من قياسات ولباس لا تناسب بالضرورة مقاسنا ولباسنا وذوقنا وأصالتنا .
فإلى متى الغرور والوهم والخور والجبن والفشل؟ رويدنا فلا نهرول وتراثنا فلا نهمل وشغلنا فلا نترك وأماناتنا فلا نضيّع وعقيدتنا فلا نغيّر وإيماننا فلا يسلب . لقد زهدنا وتركنا اللطائف والرقائق وإنغمسنا في الكثائف فأصبحنا اشباحا في عالم الحسّ فسحرت الدّنيا بزخارفها ورياشها وقماشها حواسنا فدهشت لها عقولنا . لقد حضرت الشّواغل والدواخل الإفتراضيّة فزادت في ألمنا وبؤسنا. فإلى متى هذا الموت المعنوي لأمة في سبات على مدى الفصول ؟