مقطع هام في أي إصلاح كبير في البلاد، من ذلك الإصلاح التربوي، هو وضع خطة مرنة في التفاوض العقلاني مع الاتحاد الأوروبي. الكثيرون يجهلون أن تونس لها عديد الاتفاقيات مع الجانب الأوروبي في كل المجالات ومن بينها مجال التعليم والتكوين والبحث العلمي.
كل وزراء التربية توضع هذه الاتفاقيات على طاولاتهم ولكنهم لا يحدثون بها الفاعلين التربويين ولا يطلعون الرأي العام عليها. ويظل الناس حائرون: لماذا كل هذا الجدل الثائر في الإصلاح التربوي؟ لا ينفع رفع العقيرة بالصياح وشتم الأوروبيين الذين يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة في شأننا الوطني.
يجب إقناع الأوروبيين أن تطبيق منهج الوصاية على بلد نام كتونس لا يخدم مصالح الأوروبيين أنفسهم، لأن الوصاية لا تصل بهذا البلد إلى منزلة شريك قادر على تبادل المنافع معهم، بل إلى وضعية بلد عبء عليهم. الوصاية تؤدي بالصيغة الأوروبية، وخاصة الفرنسية منها، في مجال التربية مثلا، إلى إعادة إنتاج الفشل المدرسي، لا فقط لأن الفرنسيين سيصدرون إلينا كل عيوب نظامهم التربوي المعرفية والقيمية (فرنسا في المرتبة قبل الأخيرة من حيث درجة الانضباط المدرسي لتلاميذها) الذي بات متخلفا مقارنة بالأنظمة التربوية بالبلدان الاسكندنافية وبلدان شمال أمريكا وشرق آسيا، بل كذلك لأن الإصلاح اللغوي الذي تريد فرضه على المدرسة التونسية (تعزيز مكانة الفرنسية) سيتسبب في هدر مدرسي كبير، نتيجة صعوبة استيعاب المتعلمين للمفاهيم العلمية في حداثة سنهم وعند المراهقة، بهذه اللغة.
في السابق كان الذين يدرسون اللغة الفرنسية في تونس فرنسيون والذين يدرسون العلوم فرنسيون كذلك، اليوم الوضع مختلف. والمتعلمون لم يعودوا يحذقون، نتيجة التذبذب اللغوي، لا اللغة الأم ولا اللغات الأجنبية (7000 صفر في الباكالوريا في مادة الفرنسية). يجب التمكن من اللغة الأم أولا، ثم الانفتاح على اللغات الأجنبية تاليا.
احترام السياق الثقافي وأخذه بعين الاعتبار في الإصلاح التربوي أمر متأكد، وهو يرشح شركاء أوروبا لدرجة شركاء جيدين ونافعين لا شركاء ضعاف وفاشلين. هذا ما يجب إقناع الأوروبيين به، طالما أننا نحتاجهم، في غياب مغرب عربي حقيقي، وتكامل عربي حتى بالحد الأدنى، وتعاون تونسي- إفريقي نشط، حتى نخرج من هذه الدائرة المفرغة التي تدور فيها جهود الإصلاح التربوي. في ملف حيوي كهذا، يجب حصول اتفاق وإجماع وطني، وألا يختلف في ذلك من هم في الحكم مع من هم في المعارضة، لأن الأمر يتعلق بما هواستراتيجي ودائم للأجيال الحاضرة والقادمة.