كان بودّي لو أنّ د. منصف حمدون ، رئيس قسم الطّبّ الشرعي بمستشفى شارل نيكول بتونس العاصمة ، ردّ الفعل على ما كنتُ طرحْته غير مرّة حول سلوكاته ألأخلاقية و المهنية في علاقة بواقع الطّبّ الشرعي و التّعذيب و دوره كفاعل أساسي في هذا المجال . وسنتطرّق اليوم إلى ممارسات الدّكتور حمدون وتبعاتها على ظاهرة التّعذيب في تونس حاضرا و مستقبلا ممّا ينعكس ضرورة على الطّب الشرعي و على مهنة الطّبّ عموما التي عانت طويلا من فقد ثقة الرّأي العام .
ورث د. منصف حمدون الموقع الرّفيع الذي كان يشغله سلَفه و أستاذه العميد السّابق لكلّية الطّبّ المرحوم عبد العزيز الغشّام. كلاهما حاصل على شهادات علميّة و على رضا ا السلطة ، كما ظهر ذلك من خلال سيرتهما الذّاتية التي أمدّتني بها الحكومة عن طريق اللّجنة الأمميّة ضدّ التّعذيب . كِلاهما احتلّ أعلى مراتب هذا الإختصاص الطّبّي الحسّاس بفضل اشتغاله مع السّلطة الغابرة و نيله كرمها ومطلق ثقتها بأنّ من تُكرمه اليوم لن يكسر خاطرها عند الحاجة . أمّا سلطة ما بعد الثّورة فالظّاهر أنّها تعوّدت على وجود الدكتور حمدون كبعض أثاث المشهد العام ، ممّا جعل هذا الطّبيب يحذو حذو أمثاله ممّن سخّروا مواقعهم للعمل مع سلطة الجنرال بن علي ، حيث انكفأ على نفسه بُعيْد الثّورة ثمّ بدأ يرفع رأسه مطأطئا على وَجَلٍ ثمّ نظر إلى ضحاياه في عيونهم على المباشر في التلفاز و راح يبارز راضية النصراوي و يتقوّل ألأقاويل في الأطبّاء اللّذين كشفوا التعذيب و اللّذين سعى في تكذيبهم غيرمرّة منذ 1991 و أمعن في ذلك الى غاية اليوم .
بوصفه خبيرا رسميّا محلَّفا فمن المفروض أن لا يبدي د. حمدون أكثر من رأي واحد في نفس القضيّة وإن فعل فإنّه يُعلم السّلطة التي كلّفته و الزّميل الذي قد يكون عاضده أو تدخّل في الملف بأيّ صفة كانت ، خاصّة إذا كان اختبارا ثانيا ثمّ ثالثا على نفس الجثّة ، كما لا يحدُثُ في أيّ مكان من العالم ، فهل كان الأمر كذلك ؟
اختبارات الدّكتور منصف حمدون في قضية الشّهيد فيصل بركات
الإختبار الأوّل : اختبار بطلب من قاضي التحقيق مختار الفقي بتاريخ 23 جانفي 1993
ما إن تلقّت منظّمة العفو الدّوليّة رأي الخبير الدّولي باوندرPOUNDER المؤرّخ في 28 فيفري 1992 حتّى واجهت به السّلطةَ التي اختارت أن تُقرّ بأنّ التقريرالأصلي للدّكتور الصّادق ساسي والذي اشتغل عليه زميله الأجنبي هو وثيقة رسمية صادرة عن سلطة طبّيّة و إداريّة تعترف بها الدّولة و أصبح من المستحيل العودة عن ذلك . فلم يبقَ لها من حلٍّ لهذا المأزق إلاّ أن تؤَوِّل التشريح بحيث تجعله يقول ما يخدم ادّعاءها ويقيم حجّتها على أنّ الأمر حادث طريق1 . ولقد تولّى الصّادق شعبان وضع الخطّة الكاملة لهذا التّمشي الإستراتيجي الذي ستُخصِّص له رئاسة الجمهورية بقيّة عمرها تحت حكم الجنرال بن علي ، أي إلى هروبه من البلاد ، حيث أوعزت بتكليف المحامي محمد أحمد المرحول الذي قام برفع قضية باسم العائلة ودون أن يكون أحد قد كلّفه ، فحُكِم لفائدته بالغرامة في بضعة أشهر : بداية و استئنافا . قبل ذلك و عوض البحث في الجريمة التي كشف عنها الأطبّاء و المضيّ قُدُما في تتبّع الجُناة ، قامت الحكومة بعرض تقريرَيْ ساسي/حلاّب و باوندر على لجنة طبّيّة شكّلتْها بإرادتها الخاصّة و دون الرّجوع إلى أحد ، فجاءت الأسماء المتوقَّعَة من قسم الطّبّ الشّرعي بمستشفى شارل نيكول كالآتي : رئيس القسم المرحوم عبد العزيز غشّام و "معاوناه" (« mes collaborateurs ») ، كما يسمّيهما ، المرحوم منجي العيّاري والباقي على قيد الحياة منصف حمدون .
وقد جاء الإختبار في شكل نقد نظري عام لمحتوى تشريح الدّكتور الصّادق ساسي حيث نسب إليه " قلّة الدّقّة " ليخْلُصَ إلى أنّ التّوصيف لا يُمكِّنُ من تحديد كيفية حصول الإصابات المذكورة في التّقرير. ثمّ عرض الإختبار المزعوم أنّ تقرير د. الصادق ساسي لم يُشرْ إلى تمزّقات أو آثارٍ على الشّرَج من حيث تمّ ثقبُ الأمعاء عن طريق أداة طويلة كما استنتج د. باوندر، وبنى أطبّاء السّلطة على ذلك أنّه " لا يمكن اعتماد رأي الخبير الدّولي إذ ليس هناك أسس موضوعيّة تُسْنِدُ ذلك الرأي" ، كما جاء في تقريرهم الذي بدا هدفُه الوحيد ضرْب التّناسق الطبيعي التّام والتّلقائي بين الأستاذين ساسي و باوندر . وبذلك يكون الأطبّاء الثّلاثة قد ألمحوا إلى أنّه بالنتيجة لا يمكن معرفة سبب الوفاة المحتمل وهي النقطة التي تجنّبوا ذكرها صراحة وبذلك مكّنوا السّلطة من نظرية ، على علاّتها ، تُمَكِّن الحكومة من نسقٍ دفاعيّ مهْما كان واهيا و هو قابل للتّطوير والتّحوير بربح الوقت . على أنّ هؤلاء الأطبّاء في الآن نفسه جنّبوا أنفسهم في هذه المرحلة أن يُجيزوا فرضية حادث المرور أو أن يذكروها أصلا ولاذوا بالشّكّ المطلق الذي لا يكون هو نفسه إلاّ في صالح المتّهمين بقتل الشّهيد . كما امتنع الأطبّاء الثّلاثة المعيَّنون عن التّعليق على إصابة أخرى بعيْنِها ذكَرَتْها العفو الدّولية ثمّ لم تزدْ عليها و هي المتعلّقة بآثار الضّرب الواضحة على أسفل القدمين والتي حَسَمَ د. باوندر باستحالة أن تَنتُجَ عن حادث سيْر مهما كان نوعه بل وعزاها بكلّ بساطة إلى ما يُعْرف ب" الفلْقة " وبهذه اللّفظة ذكرها الخبير الأسكتلندي :
بناء على هذا الرّأي الأوّل للدّكتور منصف حمدون ، الممضى باسمه و بخطّ يده مع الدّكتورين منجي العيّاري و عبد العزيز غشّام ، اغتنم قاضي التّحقيق الفرصة لِحِفظ القضية للمرّة الثّانية .
فلمّا قمنا بإعلام د. باوندر بموقف زملائه الثلاثة ، وافانا الأستاذ الفاضل بالرّدّ التّالي الذي يغني عن أيّ تعليق والمفروض أن يَخْجَلَ بعده كلُّ من يعود إلى هذا الخطّ الدّفاعي الحكومي الأوّل الذي أسقطه الخبير الأسكتلندي قبل أن يجفّ الرّمْلُ الذي بُنيَ به2 :
الرّأي الثّاني : بمناسبة شكايتي لدى الأمم المتحدة و بطلب رسميّ من وزير الصّحّة بتاريخ 27 مارس 1995 :
هذا الرّأي جاء بمناسبة الشّكوى التي رفَعْتُها إلى اللّجنة الأممية ضدّ التّعذيب بتاريخ 29 مارس 1994 حيث لم يكنْ متاحا للسّلطة أن "تتملّح" من الهيئة الأمميّة كما استهانتْ بمنظّمة العفو الدّولية و باختبارها الأوّل أعلاه .
الإختبارالجديد يخصّ نفس المهمّة ، أي مقارنة محتوى تقريري د. صادق ساسي و د. باوندر، مع تحوير العنوان ليقتصر على ذكر تقرير باوندر وحده ، فعاد د. غشّام إلى التقرير الأوّل ليؤَكِّدَه بإصرار .
و لكنّ الجديد – استراتيجيّا - في هذا الإختبار هو ادّعاؤه غير المسبوق ودون تقديم أيّ إثبات ، بأنّ الثّنائي ساسي/حلاّب "استنتج أنّ تلك الإصابات التي وصفاها تتوافق مع فرضية حادث الطّريق …"
(… ils concluent que ces lésions sont compatibles avec l’hypothèse d’un accident de la voie publique.)
وهي فكرة مُسقَطَةٌ لا أصل لها أبدا إلاّ في المخطّط المضبوط سلفًا لفرض رواية حادث المرور الذي كان موضوع محاكمة مدنية مسرحية بإيعاز من السّلطة إلى المحامي محمد أحمد المرحول (أصله ضابط شرطة واليوم متقاعد) ، للإيهام بأنّ العائلة قبِلَتْ فرضية حادث المرور . ولكنّ الأهم لمن يريد فهم واقع اليوم هو أنّ تلك الفكرة صارت شيئا فشيئا قاعدة الحرب الطّبّيّة التي لم يجرؤْ أحدٌ حينها على شنِّها على د. صادق ساسي . بل إنّ د. غشّام نفسُه أكّد في معرض رأيه أنّه " يَعْرِف الخصال الأخلاقية و المهنيّة " لزميله الذي وصفه ب"الجرّاح البارز و استاذ الأنتوميا و الجراحة الممتاز …" وهو بذلك لم يشكّك أبدا في القيمة العلميّة للدكتور ساسي و لا هو أبدى أيّ تحفّظ على صفته كطبيب شرعي ، كما يفعل بعض أدعياء اليوم من غير أهل الكياسة ولا الإختصاص :
وفي المقابل ، نجد أنّ د. منصف حمدون لا يذكر زميله د. ساسي إلاّ بعد الثّورة : أوّلاً ليُخْفِيَ أنّه -أي حمدون- علّق رسميّا ومهنيّا على أعمال د. ساسي أكثر من مرّة دون أن ينازع أبدا في أهليَّتِه كطبيب شرعي ولكنّه ، ثانيا ، كلّما ذكره في الإعلام و حتى دون أن يكون سُئِل ، إلاّ وعاد تلقائيا إلى "حادثة نابل والمتورّط [!] فيها طبيب جرّاح و ليس طبيبا شرعيّا…" ، كما ادّعى مثلا في استجواب بجريدة "الصباح" بتاريخ 14 أوت 2015 ، في إخلال فاضح بأبسط قواعد الزّمالة و بروح مدوّنة سلوك الأطبّاء وقد علِمْتُ منذ عودتي إلى تونس أنّ للدكتور الصّادق ساسي في وزارة الصّحّة خزائن حفْظٍ باسْمه تضمّ الكمّ الهائل من أعمال التّشريح التي أنتجها منذ باشرذلك النشاط رسميّا و قانونيّا أواخر السّبعينات وليس أقلّ تلك الأعمال تشريحه لضحايا "سفّاح نابل" ناصر الدّامرجي أوائل التّسعينات . وقد ترفّع الأستاذ ساسي عن الدّخول في أيّ جدال مع حمدون ولكنّ الأخيريغطّي على نفسه لاشعوريّا لِتوجّسه من أنّ مجرّد وجود تقرير زميله د. ساسي في حالة فيصل بركات يَفتح عليه باب المساءلة عن ممارساته لسنوات طويلة في قسم الطّبّ الشرعي دون حسيب أو رقيب .
ويهمّني هنا أن ألفت الإنتباه إلى تصريحات مشبوهة حمقاء تواترت منذ زمن غير بعيد تستعير منطق د. حمدون بتكرارِ أنّ تقرير الأستاذ صادق ساسي "غير دقيق" و أنّ تورّط د. حمدون نفسه في القضية " قد يَثْبُتُ أو لا يثبت…"
يبقى التّأكيد على أنّ التّمشّي الموصوف أعلاه هو تطبيق ميدانيّ للخطّة الأصلية للتّخلّص من قضية بركات الدُّوليّة وهي الخطّة التي مرحلتها الأولى فرض النقاش الطّبي وبثّ الضّبابية حول واقع التّعذيب . وما كان ليتمّ ذلك بدون تورّط المصالح العدليّة في قرمبالية ثمّ نابل من ناحية ، و تعاون قسم الطّبّ الشّرعي ورئيسه في شارل نيكول ، من ناحية أخرى . و يكون بذلك قد تحقّق الإصطفاف العسكري في الحرب الطّبّيّة كما وصفه و دعا إليه عبد السّلام حتيرة مدير دائرة حقوق الإنسان بوزارة الخارجيّة الذي خَلُصَ إلى أنّ مصير القضيّة مرهون بنتيجة النّزال بين المعسكريْن الطّبّيّين اللّذين يمكن تمثيلهما كالآتي :
لجنة الأمم المتّحدة ضدّ التّعذيب
(سلطة تحكيم و قرار)
*نظام الحكم
الأطبّاء الثلاثة وضمنهم د. منصف حمدون
بعد د. غشّام : د.حمدون وأعوانه و شهود الزّور
الدّولة وكلّ مؤسّساتها (رئاسة ، خارجية ، صحّة… )
*الشّاكي
د. باوندر والخبراء الأجانب الثلاثة
عائلة الشّهيد و شهود العيان
منظّمة العفو الدّوليّة
M. HETIRA عبد السلام حتيرة , lucide et désabusé, n’y croit pas à peine 6 mois après le dépôt de la plainte..
الرّأي الثّالث : استجواب لدى حاكم التحقيق في 21/7/ 2010 حسب إعلام بتاريخ 26/12/ 2010 موجّه إلينا عن طريق اللّجنة الأممية :
في 2009 ، كانت قضية فيصل بركات ستدخل عامها العاشربعد صدور حكم الأمم المتّحدة في 10 نوفمبر 1999 وكان يمكن للسّلطة أن تتذرّع بذلك لإعلان أنّ القضية سقطتْ بالتّقادم حسب القانون التّونسي . وللحيلولة دون ذلك ، طلبْتُ من الأستاذة راضية النّصراوي القيام بحركة رمزية في شكل قضية لدى القضاء الدّاخلي في المطالبة بإخراج الرّفاة كما نصّ عليه حكم الأمم المتّحدة و خلافا لكلّ التّوقّعات وبمفاجأة كبرى ، وافتنا السلطة بالموافقة في الرسالتين الشهيرتين لشهر اوت 2009 الموجّهتين إلى الهيئة الأممية . ومنذ ذلك الحين انطلقت حرب مواقع سريالية تراجيكوميدية بين القاضي و رؤسائه تشبه كثيرا الماراطون القضائي الحالي المتمدّد منذ 2011 . وهذا نزرٌ من ذاك الصّراع المَلْحَمي :
لاحظوا الحرص على التّفصيل حول العطلة القضائية وتاريخها …
ذلك أنّ القاضي التونسي كان من الإستقلالية بما جعله يكْسِر شوكة رئيسه المباشر الرّئيس الأوّل لمحكمة الإستئناف بنابل بل ويمرّغ أنف الوزير التكّاري بعينِه في التراب برفضه العنيد لإخراج الرّفاة رغم الأوامر العليّة . فلمّا أجبرَتْه دائرة الإتهام و أذعن للأمر ، استأنس برأي الطّبّ الشرعي التونسي في شخص البروفيسور… منصف حمدون إياه ، الذي صار رئيس القسم بعد وفاة سلفه الدّكتور غشّام سنة 2006 . مَثُل د. حمدون شخصيّا لِوحْدِه أمام القاضي الهُمام ، لأنّ د. عيّاري كان أيضا قد توفّي بدوره .
المهم أنّه بعد قرابة العشريتين على الإختبار الأوّل ، يتمسّك القاضي الشّنّوفي باللّجوء إلى نفس الخبير في قضيّة سبق و أن أفتى فيها بأكثر من رأي . أمّا في صُلب الموضوع فقد عاد حمدون حرْفيّا إلى الرّأي الأول الذي كان أمضى عليه في
1992 و الذي يكرّرالنّقاش في حالة مخرج الضّحية رغم أنّ الخبير باوندر كان قد عصف بتلك الحجّة لحظة ظهورها ، كما سبق بيانه . و لكن في هذا السّياق ، يأتي حمدون بِلَمْسَتِه الشّخصيّة التي تجعل سوء النّيّة لديه مفضوحا ، إذ يتظاهر بأنّ المطلوب منه هو العودة إلى الرّفاة للتّثبّت من حالة المَخْرَج أي السّحايا و الأنسجة وبالنّهاية تحديد سبب الوفاة ، وهو ما يجعله يستنتج ببالغ الأريحية "أنّ إخراج الرّفاة لن يفيد شيئا في تحديد أسباب الوفاة ، ضرورة أنّ تحلّل الجثّة ]بعد عقدين[ لا يترك شيئا يمكن معاينته في ما يتعلّق بمحيط الدُّبر و الشّرج ." وبناء على "هذا الرّأي العليم لرئيس قسم الطّبّ الشّرعي في أهمّ مستشفى بتونس العاصمة" ، كما جاء في رسالة الحكومة إلينا عبر اللجنة الأمميّة ، فقد امتنع القاضي عن المضيّ قدما في تطبيق الأمر الوزاري ممّا جدّد المعركة الملحميّة بينه وبين أعلى السّلطات القضائيّة الجهوية والوطنيّة بزعامة الوزيرالتّكّاري بأمّ عينه ، كما وصفتْ لنا الحكومة الأمر في النّصّ أعلاه ، الذي يؤكّد ثقة د. حمدون بأنّ النّظام باقٍ وهو الذي يضمن له أن لا يوضَعَ أبدا في الوضع الذي أضَعُه فيه في هذا المقام عند "الزّرّاع" ، فضلا عن أن يُطالَب بكشف حساب.
لذلك ، و كما تبيّنه الوثائق هنا ، فإنّ د. حمدون كان يستطيع أن يسمح لنفسه بتعمُّد تجاهل الإختبارالثّاني (1995) الذي أُشْرِكَ فيه والذي هو بِدَوْره تكرارٌ لمحتوى الإختبار الأوّل (1992) مع إقحام "حادث الطّريق" والذي أمضاه بخطّ يده و بيْن الإختباريْن يَتَعامَى رئيس القسم عن الرّدّ الذي أفْحَم به د. باوندر أطبّاءَ السّلطة ، مُلْحِقا بهم ما يعصفُ بالشّرف …
الإختبار الرّابع : لدى إخراج رفاة الشّهيد فيصل بركات في فاتح مارس 2013 :
عندما انطلقت الفكرة ، كان الأمر يتعلّق بنقطة وحيدة : هل عظام الحوض سليمة أم فيها كسور ؟ وكلّ ماعدى ذلك لا يمكن أن يكون إلاّ مناورة و هو بالضّبط ما حصل في كلّ المرّات التي طلبَتْ فيها السّلطة رأيا علميّا يخصّ تحديد سبب الوفاة ، و أوّلها عملية الإخراج الأولى التي أمر بها قاضي التّحقيق حمّادي الشّنّوفي ليوم 17 ماي… 2011 (6 أشهر بعد الثّورة و ما زالت وثائق قضية الشّهيد تُرْسَلُ مباشرة من فاكس محكمة قرمبالية إلى البعثة التونسية الدّائمة بجنيف وهذا مستحيل بدون علم و مشاركة وزارة الخارجية! ) والشّنّوفي3 هذا هو الذي كان يقوم على تنفيذ سيناريو البشير التكّاري ، آخر وزير للعدل عند بن علي ، كما عرضْتُه آنفا . وقد جَمَعْتُ تسخيرَه و تسخير خلَفِه ، علي عبّاس ، ليرى القارئُ نقاط التّواصل المنهجيّة بين الموظّفيْن بما يفيد إصرار المُمْسكِين بمقدّرات وزارة العدل على إنفاذ كلّ ما أُقِرَّ في العهد الغابر، ولكنّ حبل المغالطة قصيركما نبيِّنه هنا :
التسخيرين كما يظهران في نصّ ألإختبارين
• النقطة الأولى تخصّ اختيار الأطبّاء المتعهّدين بالعمليّة ، حيث تبيّن أنّ اثنين منهم كانا من ضمن المحاولة الأولى التي قادها الشّنّوفي المذكور، أين يظهرالثّنائي أحمد بانصر و أنيس البنزرتي في كلا التّسخيرين ، كما كان يشتغل الثّنائي غشّام-حمدون في التّسعينات . كما من المعروف أنّ تعيين أعضاء الفرق الطَّبِّيّة التي يُعْهَد إليها بعمليات التشريح يتمّ من طرف رئيس القسم نفسه أي الدّكتور حمدون وليس من طرف السّلطة القضائية التي تحيل إليه صلاحيتها تلك . وهو كما نرى يتصرّف بكلّ حذر فيَظْهرُ مباشرة (إخراج رفاة رشيد) أو يتوارى خلف مساعديه (إخراج رفاة فيصل) محافظا على نسبة الثلثين – طبيبين من ثلاثة - بين أيدٍ موثوق بها و لا تتغيّر، "عْلى ما ياتي" ، في صورة ما إذا حصل خلافٌ ، لاسمح اللّه…
• النقطة الثّانية تخصّ مبرّرات إخراج الرّفاة ، حيث يتمّ توجيه الإختبار منذ البداية بذكر فرضية حادث المرور أصلا ثمّ بذكره كاحتمال له حظوظُ راجحة و هو مسعى يرمي إلى تبييض ذلك الإحتمال وإقحامه في القضية إقحاما في حين أنّه لم يكنْ أحد يعيره أدنى مصداقية و لا حتّى السّلطةُ نفسُها رغم إصرارها على أنّه الإحتمال الوحيد المقبول من طرفها و هو ما نصّ عليه سيناريو أكتوبر 1992 الذي أحياه البشير التكّاري في 2009 و ما زال يُنفّذ إلى يوم التّاريخ . وفي هذا السّياق ، فقد كنتُ تابعْتُ بالهاتف من المنفى لحظاتٍ تاريخية شهِدَتْ تصدّي جمال بركات و الأستاذ محمد بوثلجة لمحاولة السّلطة بواسطة القاضي الشّنّوفي التّسلُّلَ إلى القبر، كما جاء في مخطّط الرئاسة ، حيث كانت تهدف إلى التّفرّد بالشّهيد والعبث برفاته في غياب الطّبيب الأجنبي الذي اشترطْنا حضوره و صادقَتْنا على ذلك اللّجنة الأممية وتابعَتْه معنا بإصرار لدى الحكومة .
وما يلفت الإنتباه في الوثيقتين بعد التّشابه العام هو قائمة المهام الأربعة والتي منها تحديد سبب الوفاة و كان المنطق أن يقع التثبّت فقط من سلامة العظام من الكسور . والنّيّة هنا واضحة فاضحة من جهة القاضي الشنّوفي المكلَّف بمهمّة إقرار حادث الطّريق بمنطق "معيز و لو طاروا"، و لكن ماذا يقصد القاضي عبّاس ؟؟ وقد كنتُ مكّنتُه من الوثائق التي تدلّ على أنّ رئاسة الجمهورية كانت تعلم يقينا أنّ عظام الشّهيد - وهي في قبرها – سليمة من أيّة كسور؟ أم تراه ليس هو من حرّر التسخير ؟… لكنّ ذلك لم يمنعْه من أن يكتب في قرار ختم البحث أنّ الطّبيبين ، بعد أن سجّلا مختلف الأضرار البدنية اللاّحقة بالهالك "انحرفا بالحقيقة بتفادي التنصيص على أنّ سبب الوفاة هو التّعذيب4 (هكذا !) وهو ما مثّل أرضية سانحة للدّخول في متاهة حادث المرور…" (انتهى السّرد من قرار ختم البحث) ووصلْنا هنا إلى النقطة التي هي غاية ما كانت تحلم به بقايا النظام القديم أي وضع الأطبّاء في مكان القتلة و أعرافهم ، وتحميلُهم وِزْر نظرية حادث المرورلتكون الحرب الطبية قد حقّقت ما خطّطه لها منظِّروها :
أترك للقارئ التعليق على كومة التناقضات الواردة في وثيقة أثبتَتْ التعذيب حرّرها من يُتَّهَمُ بالمشاركة في نفس ذلك التعذيب …
ولا يحتاج الملاحظ لكبير عناء ليقف على المغالطة التي خطّط لها البشير التّكّاري : تقديم تقرير فحص الرّفاة Rapport d’exhumation على أنّه عملية جديدة مستقلّة بذاتها عن تشريح الدّكتور الصّادق ساسي ممّا يُمَكِّنُ من القفز فوق اختبار الدّكتور باوندرواعتباره كأن لم يكنْ ، رغم إقرارالقاضي بانكشاف التّعذيب و"استبعاد فرضية حادث المرور" منذ التقاء اختبار د. باوندر بتشريح الدكتورساسي ، أي بعيْد الجريمة مباشرة في أكتوبر 1991 . فوقع الجلاّدون بذلك في فعلهم كما تَبَيَّنْتُه في حينه – دون الحاجة إلى أن أكون طبيبا !– و بتلك الصّورة الجليّة قدّمتُه للّجنة الأمميّة التي أدانت الحكومة بصفتها و مسؤوليتها ، و بالتّأكيد بمثل هكذا خزعبلات ، لم ينتهِ حساب الحكومة مع اللّجنة بعْدُ . فيكون القاضي إذن لا فقط لم يكتفِ بجهله بالطّب (لا يفهم تشريح 11 أكتوبر 1991 و هذا حقُّه) ، بل يذهب إلى تجاهل وثيقة الخبير الدّولي التي اعترفتْ بها الحكومة وجعلتْها السّبب المباشر لإعادة فتح البحث ، ممّا يلقي بظلال ثقيلة توحي بتحقيق في اتّجاه واحد وبعين واحدة ليس هدفُه الحقيقة … وإمعانا في هذه الممارسة يقوم قسم الدّكتور حمدون بإسقاط اسم الخبير باوندر من قائمة الذين حضروا عملية إخراج الرّفاة ، مع أنّني حصلْتُ له بنفسي على إذن رسميّ من القاضي عبّاس ليحضر ويشارك في العملية كاملة .
لهذه الأسباب ولكلّ ما تعلّق بالحرب الطّبية التي جرّنا إليها الحاكم السّابق و هي جارية إلى اليوم ، أقدّم الوثيقة التّالية من التّكّاري إلى بن علي تَعْرِض عليه ثلاث احتمالات فيختارُالثاني ، أي أن تقبل الرّئاسة إخراج الرّفاة و ترفض حضور الطّبيب الأجنبي و" تتمّ الإحاطة بالخبير في الطّبّ الشّرعي الذي سيقع تعيينه لإعادة فحص جثّة الهالك قبل الإذن بإخراجها " ، كما جاء في الرّسالة إياها وكما تمّ تطبيقُه في غدْرًا يوم 1 مارس 2013. بعد هذا بأقلّ من شهر وردت علينا عبر جنيف رسالتا 23 و 27 أوت 2009 الواعدتان بإخراج الرّفاة و المنشورتان مع المقال السّابق . ويظهرجليّا توتّرُ الدّولة برمّتها من صدور إدانة "في هذا الظّرف" ، والمقصود به انتخابات 2009 التي كانت أمل الإنطلاق المرجو و المناشَدَة نحو 2014 … الموافقة أسفل الوثيقة بخطّ يد الزّين بن علي و بحبره البنفسجي :
• النقطة الثّالثة : بين فيصل ورشيد ، التّطابق الغريب : على فكرة هنا ، نلاحظ أنّه في حالة بركات ، عكْس اخْتبار الشّمّاخي ، فإنّ اسم و صفة د. حمدون كرئيس قسم تمّت إزالتُهما من أعلى الوثيقة الإدارية وليس ذلك تفصيلا عابرا إذا علمنا أنّ حمدون عيّن نفسه ليشارك شخصيّا و لأوّل مرّة في اختباريخصّ الشّهيد رشيد الشمّاخي ، يرافقه معاونه الوفيّ أحمد بانصر و المساعد الإستشفائي د. مهدي بن خليل . أمّا مع الشهيد فيصل بركات فإنّ حمدون "متعوّد" لذلك يتوارى عن الأنظار ويوجّه الأمورعن بعد . ومن ذلك تماثل الممارسة مع الشّهيدين حيث طبّق الثّلاثي بانصر – بنزرتي - علّوش على رشيد الشمّاخي التكتيك التقليدي الّذي مارَسَه د. حمدون على فيصل بالتّقليل من شأن عمل زميله الطَّبيب الشرعي تمهيدا للنّيل من اختباره وهو ما أَوْرَدَه الثّلاثي كالتّالي : "فحصُ العظام لم يُتحْ لنا تحديدَ السّبب المضبوط للوفاة ". و هكذا فحيث وَجَدَ أساطين الطّبّ الشرعي العالمي الأربعة ، مثل الفرنسي ليونيل فورنيي أسْفله ، في تقرير الدّكتور الصّادق ساسي الأدلّة القاطعة و التّوصيف الضّافي لمسار الموت الذي فُرض على الضّحيّة ، نَجِدُ د. حمدون وجماعتَه و بعضَ من اتّبَعَهُم جهلا أو طمعا يشتكون من قلّة الدّقّة في نفس الوقت الذي يبنون على تقرير الطّبيب التّونسي 100% من اختبارهم ، بالضّبط كما فعل د. باوندر5 . على أنّ أطبّاء السّلطة يَخْلُصون ، بِمَقْلبٍ عجيب ، إلى أنّه لا يمكن تحديد سبب الوفاة . من هنا تبدو سوء النّيّة واضحة و السعي إلى إحداث تلك البلبلة التي خطّط لها أعضاد بن علي ورأوا فيها نجاتهم من قبضة الشّهيد. وهو ما جسّده أطبّاء السّلطة في حالة رشيد الشمّاخي أيضا عندما ادّعوا في استنتاجهم النّهائي ، بقيادة رئيس القسم منصف حمدون بنفسه ، أنّ " السّبب المضبوط والقاطع للوفاة يبقى مجهولا …" وهم بذلك قد أسدوا الخدمة المرجوّة من الجلاّدين الذين لا يكون الشّكّ هنا أيضا إلاّ في صالحهم وحدهم .
د. حمدون يصرّ على وضع بصْمتِه في حالة رشيد كما في حالة فيصل والكل تحت شعار "لا يمكن أن نعرف…"
بين القاضي عبّاس و الخبير فورنييFOURNIER ، أحدهما كاذب ، تماما كما هو الحال بين فورنيي و حمدون ، فمن الأحرى بالتّصديق ؟
الأستاذ منصف حمدون و الشّهيد فيصل بركات : اللّغْز المتواصل
عند ظهوره على قناة "الحوار التّونسي" في 22 أكتوبر2015 للحديث عن التّعذيب ، فاجأ د. حمدون المحامية راضية النّصراوي بالتّأكيد على أنّ ضحايا التّعذيب و منهم فيصل بركات " لم يمرّوا من القسم" الذي يديره في شارل نيكول و بالتّالي فهو بريء . وقد أثار بذلك أحدَ الألغاز التي لم نَفُكَّ شفرتها إلى اليوم وأستسمح السّيّد حمدون لعلّه يفيدنا :
فيصل بركات توفّي في اللّيلة الفاصلة بين 8 و 9 أكتوبر 1991 . تمّ تشريح جثّته يوم 11 و بقيت في المشرحة بمستشفى نابل ثمّ استُدْعِي والده للتّعرّف عليه ببيت الأموات بمستشفى… شارل نيكول ، كما أخبرني بذلك بنفسه عم الهادي بركات رحمه الله . ومن هنالك قام بنقل الجثمان ، بتسخير قانوني ممضى من الوكيل حسن بن عبد الله ، إلى منزل بوزلفى في 17 أكتوبر حيث تمّ الدّفن .
ولكن كيف ومتى وصل الجثمان الى بيت الأموات بشارل نيكول ، حيث تفيد المعلومات أنّه لا أثر له في سجلاّت الدّخول إلى المستشفى ؟ التّسخير الرّسمي لنقل الجثمان غير مُؤرَّخ ولكنّه يتضمّن ما يلي : " وبقي الميّت مجهول الهوية إلى أن تمّ التعرّف عليه بفحص البصمات يوم 15/10/1991 و تمّ الإحتفاظ به ببيت الأموات بشارل نيكول …" وبما أنّه لا تدْخُلُ جثةٌ إلى المشرحة إلاّ بعد تسجيلها ، فمَن جاء بجثّة فيصل ؟ ولأيّ سبب إذا كان التشريح قد تمّ و قُضي الأمر؟ مع العلم أنّ الأمنيين الذين عذّبوا فيصل حتى الموت كانوا يعرفون هويته جيّدا . من هنا كيف يصرّح د. حمدون على الملإ وهو يجادل راضية النّصراوي ، أنّ فيصل لم يمرّ من قسم التشريح ؟ ثمّ يوغل في التّظاهر فيطالبها بمثال ولوعن حالة مشبوهة واحدة لجثّة عليها شبهة تعذيب و مرّت من القسم ، و قد كان لتوّه يتحدّث عن فيصل ، فهل يجيبُنا عن هذا ؟ :
خاتمة : الدكتورمنصف حمدون ومستقبل التّعذيب في تونس
وأؤكّد على المستقبل رغم حِمْل الماضي الثّقيل والمتواصل بإصرارٍ و صَلَفٍ نادريْن لدى المعنِي وهذا بحدّ ذاته موجب للتّتبّع و المحاسبة الصّارمة . ذلك أنّ المواطنين التوانسة بجميع أصنافهم ، الذين قضوا تحت التّعذيب طيلة حكم الجنرال بن علي يُعدّون بالمئات و قد ضاعت حقوق غالبيتهم العظمى بمن فيهم من لا يشكّ أحدٌ في أنهّم ماتوا جرّاء التعذيب . وكلّ أولئك لم يوثِّقْ عذابهم أيّ طبيب ، بل وفي أكثر الأحيان تكون معهم شهادة طبّية فيها انتحار أو سكتة قلبية … وحدهما فيصل بركات و رشيد الشّمّاخي صادفا طبيبا سجّل كلّ كبيرة و صغيرة على جثمان كلٍّ منهما واصفا كلّ ما أسهم في حصول الوفاتين وهو ما جعل الإختبار الدّولي يكشف المستور و يُفْحمُ الحاكم المتغطرس ، الذي تفطّن فورًا إلى خطورة المطبّ الذي وقع فيه بخروج تقرير التّشريح للدّكتورين الصّادق ساسي و عبد السّتّار حلاّب إلى التّدويل في قضيّة فيصل بركات ، بما جعله يعبّئ رجالات الدّولة و مواردها كما في هذا المثال الذي جمع فيه كلّ وزراء السّيادة كما في نُذُرِالحرب :
… ووزير الدّفاع …؟
و ليس من المبالغة القول بأنّ قضية هذا الشّهيد هي أكبر نازلة دولة Affaire d’Etat وثّقها الأرشيف الرّئاسي لكامل العهد النّوفمبري ، الذي تجنّد – وما زالت بقاياه إلى اليوم كذلك – لفكِّ رقَبته من قبضة الشّاب المغدوروالمنتصر لنفسه ولكن أيضا وخاصّة لكلّ اولئك الذين تمّت فبركة سناريوهات لموتهم على منوال "حادث المرور" (فيصل) و "البوصفّير في الكبدة" (رشيد) … ويتوجّب بناء على ذلك مراجعة قوائم شهداء التّعذيب لردّ المظالم بانتظار ظرف مناسب نُقدِّم فيه هذا الملفّ كاملا إلى المحكمة الجنائيّة الدّولية ليدرك كلّ جبّار متفرعن أنّ ألإفلات من العقاب إنّما هو إلى حين .
أمّا الدّكتور حمدون ، الذي لا أحد يضمر له أيّ حقد ، فعليْه أوّلا أن لا يخضع لأيّ ابتزاز بل يبادر بدون تأخير إلى الإعتذار لكلّ الضّحايا عمّا سلف ، مع مدّهم بما لديه من معلومات عن ضحايا مثل الرّائد المنصوري ، كما يتوجّب عليه طلب الصّفْحِ من زملائه عن تعمّده الكيْدَ لهم و القدْح في كفاءتهم ، مع إعلان التّخلّي عن رئاسة قسم الطّب الشّرعي بانتظار إحالته على المعاش ، كما عليه أن يريح ضميره بمساعدة هيئة الحقيقة والكرامة التي يمكنه مساعدتها بدوره على توثيق أحد أصعب ملفّات العهد البائد : التّعذيب وأساليب إخفائه ، عسى أن يُسْهم ذلك في إبْعاد هذه الآفة عن بلادنا وتلقيح شعبنا ضدّها إلى الأبد .
1- رغم كلّ المساعي ، بقي لذلك التّسميم أثرحتى لدى أناس يدّعون الإطّلاع وينسبون الى د. صادق ساسي أنّه ذكرحادث المرور، ومن هؤلاء المحامية ليلى الحدّاد و الصّحفيّة بدار الصّباح فاطمة الجلاصي .
2-مضمونه الأساسي توكيد د. باوندر تمسّكه باختباره الأوّل خاصّة في نقطة حالة الدّبر ضرورة أنّه يمكن الوصول من المخرج إلى ملتقى الأمعاء الغليظة على بعد 15 سم بِوسيلة حادّة دون أن يترك ذلك أيّ أثر .
3- بعد ترقيةٍ و نقلة ، صدر اسم هذا القاضي ضمن قائمة القضاة الفاسدين الذين أبعدهم الوزير نور الدّين البحيري .
بدون الخوض في نوايا القاضي ، يبيّن هذا المثال حاجة السّلك إلى تكوين مخصوص في علاقة بالطّبّ الشّرعي والتّصرّف الواجب على الطّبيب في حال عاين حالة فيها شبهة تعذيب . ولكنّي أسوق هنا ما تنصّ عليه وثيقة الأمم المتّحدة المسمّاة "قواعد إسطمبول" في تعامل الطّبيب مع حالات التعذيب وقد طبّقها د. الصّادق ساسي 8 سنوات قبل اعتمادها في 1999 :
http://www.unog.ch/80256EDD006B8954/(httpAssets)/E066772062845CECC1257E92004DEE48/$file/1.2.18_Protocol+d'Istanbul.pdf
P. 17 : « Lorsqu’ils observent (…) des agissements immoraux (…) les médecins doivent les dénoncer. Ils sont alors dans l’obligation de prendre les mesures qui s’imposent le plus rapidement possible (…) En de telles circonstances, ils doivent faire rapport aux autorités compétentes ou à des organismes internationaux habilités à enquêter, sans toutefois exposer les patients, leur famille ni eux-mêmes à des risques de rétorsion. Les professionnels de la santé qui, sur la base d’éléments raisonnablement probants, agissent ainsi sont en droit d’espérer un ferme soutien de leurs associations professionnelles et de leurs confrères."
5- بعد إخراج الرّفاة ، أخذْت ضيْفَنا د. باوندر و وفد أمنستي لنتبع الجثمان إلى المشرحة و هناك استقبلَنَا د. حمدون و بقي معنا و كان من حين لآخر يلتحق بفريق الأطبّاء عند الرّفاة . وقد بادرْتُه أكثر من مرّة بأنّ الضحيّة معروف لديه و لكنّه فضّل ابتسامة حَرجٍ و لم يشأْ فتح الموضوع…