الخيط الناظم
الذين يحكمون تونس اليوم خليط يتكوّن ممن كانوا ضد القصبة 2 وما أكثرهم وممن كانوا مع إعتصام الرحيل. فرّقت بينهم انتخابات 2011 لفترة ثم أتاهم الأمربالتوافق مُرغمين ليحكموا تونس بشرط أن يتركوا الثورة وراءهم عن قناعة أو عن مصلحة أو الإثنين معا.
ذلك هو الخيط الناظم، ما تبقى على كثرته تفاصيل. من ينسى المقدّمات يغرق في الهوامش وتختلط عنده الأوراق. لم تشهد تونس في تاريخها الحديث حكومة ضعيفة ومعارضة أضعف و مجتمع مدني مشتت كما تشهد اليوم.
من المفارقات أن التوافق الذي يتغنون به منذ الحوار الوطني حاضر بالاسم غائب بالفعل باعتبار أن الفاعل فيه طرف واحد. والتوافق الذي عشناه أيام الترويكا كان توافقا حاضرا بالفعل غائبا بالإسم ولكنه كان توافقا حقيقيا حتى وإن تم في أجواء صراعية باعتبار أن وجهات النظر كانت في أغلبها حاضرة ومتفاعلة وكان من نتائجه صياغة دستور للبلاد.
اليوم يريد التوافق الإملائي أن يأتي على كل ما تم إنجازه في تلك الفترة وهو ماض في ذلك جرعة جرعة وبالنتيجة فأن الخناق بدأ يضيق على الدستور الذي أصبح إنجازه نسيا منسيا و أصبح استحضاره كمرجعية دستورية لا يتم إلا كرها وهو الحاصل على أغلبية لم تتوفر لأي شئ آخر.
بالرغم من ذلك نجد الأستاذ راشد الغنوشي يلوي أعناق التاريخ الإسلامي في عهوده الأولى ليقعّد للتوافق الإملائي ويبحث له عن مشروعية دينية بقراءة توظيفية لا تستطيع الصمود لحظة أمام وقائع التاريخ. كل ذاك من أجل أن يبيّن أن رجال النظام القديم يمكن أن يكونوا حماة للثورة كما كان الطلقاء حماة للدين.