"هذا نبأ أنتم عنه غافلون "

Photo

عصر البلايا والفتن والأمراض العويصة والخبيثة والموت الفجئي والإجرام المتنامي وعقوق الوالدين والعنف اللفظي والمادّي والمعنوي ,مفاسد شتّة إنتشرت وتنامت في المجتمع الرذائل والقيّم السقيمة. لقد فاضت الأرض بأدناسها وأرجاسها وتقيّأت النّفوس الشّريرة كل مفاسدها وجادت الضمائر الفاسدة بأقبح ما لديها فلقد قبرت القيّم والمبادئ ورفع الحياء والبركة.

دنيا قد فتحت ابوابها وزخرفت رحابها وتزينت وروّق شرابها ,أضحى فيها الإنسان حائر العقل ذاهل الفكر داهش السرّ مشغول البال . ضغوطات يوميّة ومشاكل تجتاح الأفراد والجماعات فتجد الشخص يصارع أمواج من البلايا ويصعد جبال مصائب ومحن في تضاريس دنياه ولا من مفرّ, فلقد أحاطت به شواغلها وإحتوشته مفاسدها. الزّمن ماض ما عليه لوم ولكن إن سألت فاسأل عن ظلم وجشع البشر ,فساد الطبائع والأخلاق الرديئة لوّثت المجتمع وأفقدت الثقة فيه .

ما حال المجتمع في زمن البلايا والفتن ؟ وهل من ركن وثيق يلجا إليه الحاذق اللبيب ؟ 1-المجتمع : خليط غير منسجم وأفكار ورؤى عديدة وإيحاءات إجتماعيّة مختلفة ومناهج خفيّة وإستراتيجيات غير معلنة تنسخ الأشباح وتمحو الأرواح تحفّز للإستهلاك والإندماج والإنخراط تسلب الإرادة والحريّة. المجتمع ساحة تنافس وصراع بين كل القوى خيرها وشرّها فلقد تشابكت وتقاطعت المصالح وتشعبّت السّبل والمسالك والدروب وقلّت الثقة ورفعت الأمانة من القلوب , شقاق ونزال وقتال ونفاق صبغت المجتمع بأصباغها.

دنيا تخلب الفؤاد ظاهرها جميل أنيق وجذّاب وباطنها وهم وزيف وخداع طغت فيها المباني على المعاني وسادت الأشكال والصور والكثائف على الجواهر والمثل واللطائف . فكيف للأخلاق والقيّم أن تثبت وتستقرّ؟ يقابل الإنسان الدّنيا بجسده (قالبه) ويقابل الغيب (اللآخرة) بروحه ,فتراه متعبا منهمكا منهكا ,إذ الدنيا لا تهدأ على حال ففيها المتغيّرات والمنغّصات وكذلك الأفراح والمسرّات .

المجتمع مأدبة النّفس غذاء للبدن فيه حجب الظنّ والهوى وظلام النفس وظلمها . يد الغفلة تسحب وحبال الشّيطان تجذب وقدم الهوى تسعى والنّفس تغرق في أوحال الباطل ,فمن ترك الحقّ ضلّ وأضلّ ومن هجر أهل الله وخاصّته وسكن مع النّفس الخبيثة وأصحاب السوء ضاع وتاه فالنّاس لاهون غافلون محجوبون بالغطاء محرومون من العطاء والإمداد والتوفيق الإلهي .

الدّنيا ظاهر ومظاهر واشكال ومباني والغيب باطن ومعاني ,والناس تتمثّل الدّنيا وتفهمها بظاهرها ولا تستوعب أنّ حقيقتها في باطنها إذ لا تفهم الدّنيا إلا بمعاني الغيب . "أليس الناس نيام فإذا ماتوا إنتبهوا "؟ الوعي مقلوب والفهم معكوس والتمثّلات تناسب عكسي للمنطق والحقيقة .

إذن كيف يفلح البشر ؟ لا بدّ من الإفلات من الضغوطات اليوميّة ومن حبس الذّات في قبّة النّفس والهوى ودهليز الجهل والوهم والتخلّص وعزل كل المشاريع والبرامج اللإنسانيّة التي تقتلع فطرة الإنسان وجذور هويته وتثبّت غرائزه وتحفّزه للإستهلاك لتنيل النفس من الدّنيا لذائذها وشهواتها . إنها نزعات شيطانيّة بشواغلها تحيط بالإنسان وفي غفلة منه تغتاله وتسرق منه بساطته وسعادته وحسن نيّته وصفاء سريرته.
ومن لم يتزوّد بزاد المعرفة والرّوح النقديّة ضاع في متاهات الزّحام وإرهاصات الواقع الأليم . فمن رحل بدون عدّة فإن الطريق مخوف مخوف لا يؤمن عواقبه وبوائقه. فكيف السبيل إلى النجاة ؟ وهل من ركن وثيق ؟ولينج ما استطاع النجاة . يقول المصطفى الأمين عليه افضل الصلاة وازكى التّسليم وعلى آله وسلّم " دع عنك أمر العامّة ودع ما تنكر واملك لسانك وخذ بما تعرف وعليك بأمر خاصّة نفسك ". فالطريق إلى البؤس والشقاء معبّدة بالنوايا الساذجة وسطحيّة التّفكير وقلّة التّدبير وبلادة الضمير. 2-المسجد : إننا في ايام الهرج و"إنّ الفتنة لا تدع أحدا إلا لطمته" ,زمن خفّت فيه الأمانة وقلّت الثقة ,"فتن تأكل الأخلاق فلا يأمن الرّجل جليسه " هكذا قال سيّد البشر صل الله عليه وسلم وآله ,

وإنّ النجاة منها في إعتزال المجتمع . من أراد النجاة في الدنيا فليجدّف بالأعمال الصالحة ويلزم المسجد كركن وثيق ويتعلّم على سبيل النجاة ويسبح ضد تيار الرداءة والميوعة والسفالة والخيانة التي تعمّق الظاهر وتزيّن الأشكال وتحجب باطن الأشياء وحقائقها فتزيّف بذلك الحقيقة وتثبّت الشبهة وتزرع الفتنة الصمّاء البكماء العمياء التي من اشرف لها استشرف له .

المجتمع ساحة صراع وتداخل مصالح نفعيّة وذاتيّة على حساب كرامة البشر وبينما المسجد قيمة ثابتة لا تتحوّل ولاتتغيّر رغم بعض الشوائب التي هي إنعكاس ونتيجة لحال المجتمع العليل السقيم . من دخله كان إتصاله بالغيب اصلا وتواصله بحقائق الإيمان فهو في محراب الإعتكاف والإقبال على الخالق والإعراض عن الخلق والزهد فيهم هذا لمن تمسّك طبعا بالورع ووعى بما يفعل وترك الرياء وتبرأ من التكلّف. المسجد يحقّق التّجانس والإنتظام والسّكون والهدوء فهو الوحدة النوعيّة للذوات الخاشعة لربّ الوجود المعبود على مرّ الأزمان والعهود .

المسجد سجن النّفس والهوى وغضب الشّيطان ومأدبة للروح وغذاء للقلب وهو فرصة لإنشغال النفس بالعبادة وتحقيق فروض الطاعة بجهد الطاقة بينما المجتمع سجن للروح مرتع للنفس جذب للهوى زينة الشيطان ومصيدته.

إن هذا كلام معلوم للعموم ولكن نحن عنه غافلون منشغلون طمست بصيرتنا ببصائرنا وخضعت قلوبنا لسطوة الزمان وضغط المكان فحار العقل وذهل الفكر , إنها الكدورات والشقاء والبؤس والألم في دنيا الخداع وأهل الغرور وأوهام الخلائق وزيف المظاهر وفورة الظاهر وكمون الباطن. وما عالم الشهادة إلا قشور ظاهرة وستور بارزة ,أما عالم الغيب فهو لباب المعاني الخافيّة وبواطن الحقائق المستورة. لعلّ بالإعتزال وترك ما لا يعني وباليقظة والحذر تستقّر وتستمرّ وتنجو سفينة الذّات البشرية في بحر وجودها رغم موجات البلايا المتلاطمة وهبوب رياح الفتن العاتيّة. فيأيها الإنسان متى تشرب من صفاء وقتك ويسكن قلقك ويهدا روعك ويأمن قلبك ويطمئن سرّك ؟1

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات