لا يكاد يمر حدث داخلي أو خارجي، هام أو تافه إلا وينقسم إزاءه التونسيون صفّين متعارضين. تصلني حاليا وبعد دقائق من نهاية مباراة الترجي والأهلي أصوات منبهات السيارات، فرحا -بطبيعة الحال- بانهزام الترجي. لكن ليس هذا الحافز إلى كتابة هذه التدوينة وإنما هو وفاة مهدي عاكف في السجون المصرية. من خلال شبكات التواصل الاجتماعي واضح أن هناك موقفين لا يلتقيان. أحدهما يندد بالنظام المصري ويترحم على المتوفى، والآخر يلتزم الصمت تماما.
الموقف الأول لا يدل على أن أصحابه متمسكون بحقوق الإنسان ولا الحريات، وهم أنفسهم لا يدعون ذلك، وإنما هم أو أغلبهم يعبرون عن تعاطفهم أو اشتراكهم مع الرجل في الفكر أو الموقف أو أي شيء مثل هذا. وهذا جائز، لكنه ليس دليلا كافيا على أنهم ضد الاستبداد أو مع الحريات.
والموقف الثاني كذلك يكشف صورة أخرى عن أصحابه الذين كنا نعتقد أنهم حقوقيون يناضلون من أجل الحريات والديمقراطية، فإذا بهم -مع الأسف- مزيفون أو كذابون أو منافقون ليس أكثر، بقدر ما تتبدل الحقوق عندهم حسب الحالة.
في نظري أن هؤلاء وأولئك يكشفون شيئا أهم وهو فداحة التخلف العربي، ففي محيط متخلف، لا يمكن للأفكار أو الإيديولوجيات أو النظريات أن تُقدّ من غير عجينة التخلف، ولا تعدو الدعوات إلى التقدم والنهوض والتحرر أن تكون مجرد بيع للكلام سرعان ما تتكشف حقيقتها في الممارسة اليومية.
قارنوا فقط بين أحزابنا ونقاباتنا وجمعياتنا ونظيراتها في أوربا، قارنوا بين من يقودها عندنا وعندهم ستكتشفون أن لدينا شيوخ قبائل أو عشائر تسمى أحزابا أو نقابات أو جمعيات. قارنوا حتى بين كرة القدم عندنا وعندهم سترون البون بين بلداننا والبلدان المتقدمة. هنا نحن جميعا عاكفون في كهوفنا، نصرّ على أن نبقى حيث نحن.