يغضب المحازبون مما يروجه "المغرضون" و "المتآمرون على السياسة" و الأحزاب بتشويه سمعتها و تعميق اهتزاز الثقة الشعبية فيها ليخلو الجو للأجهزة و اللوبيات التي تحن الى استبداد بلا أحزاب و لا سياسة .
هذا صحيح فكلما اهتزت الثقة في السياسة و الأحزاب و هجر عموم الناس الاهتمام بالشأن العام أصبح الطريق سالكا أمام الفاسدين و المستبدين و أجهزتهم لاستعادة نظام يعمل بلا "ساحة سياسية" .
لكن الغضب لا يكفي اذ لابد من "جاذبية" أخلاقية و مشاريعية تقنع التونسيين أن هذه الأحزاب ليست مجرد حوانيت وظائفية تحولت سريعا بعد الثورة الى مجرد "أدوات" في ديمقراطية فاسدة تسيرها اللوبيات و الأجهزة و القوى الخارجية .
على مستوى المشاريع لم تعد الأحزاب التونسية بما فيها أحزاب التيارات التاريخية الكبرى من اسلاميين و يسار و ليبيراليين وطنيين إلا ماكينات انتخابية و صراع على الحكم .
باسم البراغماتية و نهاية عصر الايديولوجيا لم نعد نعرف مشاريع هذه الأحزاب و لا هويتها الفكرية اذ تستطيع أن تراها تترنح من منصة الى اخرى بلا "رادع فكري" و لا "حصانة وطنية" غير حسابات الربح و الخسارة لتتحول الساحة السياسية الى مجرد أرصفة تبدو فيها الأحزاب بمثابة "واقفات رصيف" (تروتوز) تنتقل بسلاسة من مستنقع الى آخر بلا ملامح و لا قسمات مميزة فالماكياج واحد و اللباس الفاتن يتم اقتناؤه من نفس المغازة .
من طريف السياسة التونسية أن المراكز الدولية للتنمية الديمقراطية تعقد دورات موحدة لتدريب شباب و كوادر الأحزاب على طرق الدعاية و التنافس و التنظيم فيلتفي اليساري مع اليميني في دورة تكوين واحدة ليخرج لمنافسته بما تعلماه من نفس المدرب .
على المستوى الاخلاقي يكتشف المنتمون الى الأحزاب تدني الممارسات الداخلية في ادارة الأحزاب كشركات باسم المؤسساتية و العصرانية حيث تعوض الزبائنية العلاقات الرفاقية و الاخوية التي من المفروض أن تحكم "الجماعة السياسية" ذات المشروع .و لذلك تتكاثر الانشقاقات و تتعاظم الاحباطات و الخيبات و تصيب الصدمات الصادقين وهم يكتشفون طريقة حياة الزعماء و عائلاتهم و كيفية تربح القيادات و الكوادر و الاتباع المقربين من "العمل الحزبي" .
يدرك الجميع (باستثناء الدراويش من أصحاب النية الطيبة من الاتباع و الانصار و المريدين) أن "الحزبية" في تونس ما بعد الثورة تماما مثل العمل الجمعياتي أصبحت مجرد "مشاريع استثمار " و "سلم ارتقاء اجتماعي" للأذكياء و المهفات أكثر من كونها مشاريع وطن .
أن يسب الاعلام المغرض أو لا يسب فحقيقة الأحزاب للأسف تنكشف يوما بعد آخر كجزء من وضع نخره "الفساد" الى العظم .و بطول الوقت سيكتشف الناس أن "الجماعات" و "الأحزاب" التي تنتصر اليوم و سيكون لها المستقبل في معركة الشرف و البناء العربي هي أحزاب المشاريع الوطنية و الأخلاق حيث يكون القائد زاهدا و يكون المنخرط مشروع شهيد و شاهد .أما أحزاب المقاولات في مشاريع صناعة الانتقال "الديموخراطي" فلن تذهب الى أكثر من " عجوز رصيف" ذهبت مفاتنها في سوق "البغاء السياسوي".