من حكايات الخريف : هل يستحق الامر كل هذا ؟

Photo

-1-…وقال دبشليم :لقد رأيت من شأن الناس في السلطان شيئا عجبا ، فهل لك من شيء من الحديث في هذا الامر .

لم يكن من عادة بيدبا التردد او التحرج في حديث مع الملك ، و لكن الحديث هذه المرة عن الملك ، و ليس من وسط في الحديث عن الملك في حضرة الملوك .،فاما ان تكذب وتعيش بتأنيب ضمير دائم ، و اما ان تقول الحقيقة و تعيش دون رأس .لا خيار غير ذلك .

و لكن هذا التقسيم الثنائي للعالم ، منطق "إما …و إما" هو ديدن العقول الكسولة ،و بيدبا لم يكن يوما كسولا .في الوسط، في منطقة قوس قزح، توجد دائما الحلول .لذلك لم يطل إطراقه ، و ما اظن ان الملك قد انتبه لإطراقته تلك حتى

-2-قال بيدبا :تساءل كثيرون عن سبب وجود الجنس البشري على هذه الارض ، فنبههم بعض الظرفاء الى تلك الآيات من سورة طه :"قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى ؟"ليستنتج ان تلك هي المنطقة الرخوة في جبلة الجنس البشري ، وان الانسان ، بطبعه ، كائن غير ديموقراطي، مولع بالخلود و السلطة المطلقة في المشمولات و الزمن ، و انه مايصبح ديموقراطيا الا بوجود آليات وموازين قوى تفرض عليه ذلك ، وان عوامل التربية و الثقافة لا يكفيان ، على أهميتهما ، لِلَجْم منازع التسلط و التفرد .

-3-وقال بيدبا :وقد بلغنا عن الروم ،يقصد اليونان ،قد اتخذوا إلها أسموه "زوس "يتلذذ من فوق عرشه في جبل"الأولمب"بمشاهدة معارك أنصاف الآلهة و الدم المسكوب فيها، و كلما استقر الامر لبطل أشعل زوس حربا صغيرة ، فتظل الأنظار و الاهتمامات مشدودة الى السفح فلا يلتفت لعرشه احد .

و لعل لاهوتهم هذا ما هو إلا مبلغهم من علم السلطة، زينوه خوفا على رقابهم وقد بلغنا ان بعض شرار القطط تلتهم صغارها، لا من مسغبة.فلعل الروم استوحوا هذا من ذاك . .

-4-وقال بيدبا :وقد بلغنا ان قبائل بدائية ليس من هم لفتيانها إلا قتل كبارهم و التقاتل بعد ذلك فيما بينهم، فإذا هو العبث، وحرب الكل ضد الكل ، كما يقول احد الحكماء .(بصراحة لا اعرف كيف استشهد بيدبا بهذه المقولة التي جاءت بعده بقرون كثيرة ، لا استطيع حقا ان أفيدكم ).

-5-وقال دبشليم :و ما العاصم من هذا العبث وهذه الدماء يا بيدبا ؟

-6-فقال بيدبا :صنف ابن خلدون (مرة اخرى لا ادري كيف عرف بيدبا ابن خلدون وقد جاء بعده بقرون عديدة .و لكن ليست هذه الغريبة الوحيدة في الحياة !)صنف الملك أصنافا ثلاثة :حكم شرع ، وحكم هوى وغريزة ، وحكم عقل وما لم يحكم البشر عقولهم فستقوم قيامتهم قريبا ، اذ يستبد بهم الهوى و الغرائز ، والشرع نفسه يستولي عليه الجهل. لا حل خارج نعمة العقل .

-7-وقال دبشليم :و ما انت فاعل اذا حاق بك شيء من هذه الشؤون ؟

-8-فقال بيدبا :سكان المعمور الآن ثلاثة ملايين (افترض ذلك و للمؤرخين ان يتثبتوا )،و ليس لي فيهم من الاصدقاء سوى القليل.

لا شيء يستحق ان تخسر من اجله صديقا .لا شيء . تأملت الغني والفقير ، و الامير و الغفير ،عند إنزالهم القبور ، وما وجدت احدا منهم حاملا معه شيئا وعلمت ، موقنا، ان الناس يحشرون سواسية، حفاة عراة ،ليس لهم الا ما عملوه. فاتخذت لنفسي شعارا :لا تخسر نفسك، فلا شيء يستحق. لا تقتل احدا، و لا تخسر نفسك. وردد بفرنسية ذلك الوقت Est-ce que ça vaut la peine?

ثم أضاف :في الارض مراغم كثير وسعة.

-9-ولقد تعجب الرواة من لباقة بيدبا، فلا هو كذب، و لا خسر رأسه .

وقالوا :ان ثنائية الأبيض والأسود لا توجد إلا في العقول الصغيرة .اما الحياة فهي ذات الوان !!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات