انتهت الفترة الأولى من السّداسي الأوّل، و خرج المتعلّمون إلى عطلة هي الأولى في تاريخ التربية. فالتنظيم السنوي للزمن التعليمي: سداسيين بنظام ستة أسابيع هو بدعة أخرى يقع إلصاقها بمدرسة كل ما فيها لا يعكس نبل رسالتها.
إذا كان الزمن في المدرسة ضرورة، فإنّ ضبط دورانه أمر في غاية الأهميّة. فالزمن التعليمي ليس سدّا للخانات المعرفية؛ بل هو تفاعل بينه وبين المعرفة و التقييم في تناغم متواصل و لا يمكن أن يكون بينهم تنافر.
و يبدو أنّ اختيار نظام السّداسيات كان اختيارا مزاجيا كي لا نقول هو تدخّل سيء للسياسي غير العارف بالبيئة التعليمية التعلمية. فالسّداسيات تنظيم زمني معمول به في عديد الدّول وله مزايا لعلّ أهمها تعزيز فترات التعلّم ليتملّك المتعلّمون المعارف بعيدا عن ضغط الزمن و قسوة التقييم الجزائي المتسارع.
و لا يخفى انّ استيراد المفاهيم للصعلكة السياسية يضرّ بالتعليم و التعلّم. فالسداسيات ليست ربطة عنق يمكن أن يضعها صاحب القرار التربوي ليظهر انه مواكب لأكثر التقليعات التعليمية حداثة. فهو للأسف -يعتقد- أنّ التجديد يكون في الألفاظ دون المضامين.
و العارفون بشؤون التربية لا شكّ أنّهم لاحظوا حالة التّراخي القصوى في أداء المتعلّمين، فهم قد عرفوا أنّهم " ما يعدوش امتحانات بالكلّ" إلا بعد فترة زمنية طويلة تصل ستة أسابيع أو أكثر. فلماذا " يكسر رأسه بالمراجعة" هكذا يفكّر المتعلّمون.؟
هذا الاختيار السيء لنظام السداسيات وقعت البرهنة على جهل القائمين بإقراره بالتعديلات الأخيرة في امتحانات تتعلّق بمادّة اللغة العربية التي اعتبروها مميزة و تستحق كما عدديا من الفروض، وأمام الاحتجاجات وقع التراجع عن فرض و لم تعد مميّزة. هكذا بكلّ بساطة.
لا يمكن ان يكون تنظيم الزمن المدرسي لعبة تذروها أدمغة وقع حشوها بالجهل الفاضح لكلّ ما هو زمن و معرفة و تقييم. هؤلاء " المشرفون" إن جاز عليهم هذا اللفظ بانت عيوبهم التعليمية. و ظهرت للعلن فضائح قرارتهم غير المستندة إلى رصانة البحوث التعليمية و حرارة التجربة الميدانية.
و السّؤال الغبي: أليس من حقّ المواطن أن يسأل :من هم؟ ما هي صفاتهم؟ ما هي جدارتهم المعرفية )التعليمية التعلمية)؟ ماهي بحوثهم في المجالات التربوية؟ كيف وصلوا إلى مراكز القرار ؟ هل سيبقى مصير المدرسة مرتهنا بـ"كمشة" لا عمل لها إلاّ تصريف الأعمال اليومية؟
ستبقى هذه الأسئلة و غيرها لا تجد من يجيب عنها، فالتربية هي زينة للسياسي الرّخيص الّذي يسعى إلى إدامة الجهل في عقول النّأشئة. فتوعيتهم الفكرية و العلمية و تربيتهم على حقوق الإنسان و صقل ألسنتهم على فرائد اللغات و تدريبهم على مكامن الجمال في الموسيقى و الرّسم و الغناء و الرّقص يعجّل بزوال مظاهر أصبحت لا تثير شيئا وهي التواكل و الأمية و الحرقة و التعصب.
المدرسة عوض أن تكون منارة للمعرفة، جعلها السياسي القذر مصب نفايات لكل ما يديم العروش السلطوية. ولكن للأمل باب سيدخل منه كي يرجع لهذا الشعب عقله الواعي يوما.