في مثل هذا اليوم من سنة 1987 بادر النظام التونسي بدعم معلوم من رعاته الدوليين بحركة ،،انقاذ،، لنفسه و هو على أبواب انفجار كان يمكن أن يعصف به نهائيا .
حازت "الحركة" مباركة غريبة من عموم معارضة كانت في أوج ألقها على امتداد عشرية سجلت فيها الحركة السياسية و الاجتماعية و الحقوقية و الطلابية و الاعلامية نقاطا مهمة على نظام مُترهل.
قوة المعارضة التونسية وقتها على حساب النظام البورقيبي كان ورقة مهمة يمكن أن تُحسن بها شروط تفاوضها على انتقال حقيقي مع نظام ،،جديد،، كان يبحث في أشهره الأولى عن شرعية جديدة باسم وعد "التحول" بعد نهاية ،،شرعية الاستقلال،،.
المباركة اللامشروطة جاءت من أبرز اللاعبين السياسيين باستثناء توجس غير وازن من بعض الشخصيات و الحلقات السياسية و الشبابية الضعيفة غير المؤثرة في الصراع و لم يكن الأمر مدعاة للخجل في سياقات لم تكن تسمح وقتها بأوهام "الثورية" لو حسبت المعارضة مقدار مباركتها و أحسنت استثمار أوراقها في انتقال حقيقي تجبر فيه النظام الجديد على مغادرة مربع طبيعته الميالة هيكليا الى التسلط كلما خف عنه ضغط الصراع .
بدت المعارضة الديمقراطية فجر 7 نوفمبر 87 في وضع استعداد غريب من قابلية التنازل و الثقة المفرطة في النظام الجديد و كأنها تستعجل الاستفادة دون رغبة استراتيجية في توسيع الهامش المحدود الذي قرره لها بن علي .
وقعت المعارضة سريعا في استقطاباتها التقليدية و تسابقت على ابداء الولاء اكثر من التوحد لممارسة الضغط رغم امكانية الاستفادة وقتها من دروس الانتقال في جنوب اوروبا و امريكا و حتى من درس التداول في المغرب الاقصى .
مؤشرات عديدة كانت توحي بضرورة التحوط من الطبيعة التسلطية للحكم الجديد سواء طبيعة "بن علي" و تاريخه المهني و سيرته السياسية أو تضييقه منذ "فجر السابع" على الاعلام و ايقاف صحيفة الرأي و ازاحة الزعيم الحبيب عاشور و حتى نوعية النقاشات حول ميثاق وطني فرض فيه الحاكم الجديد سقوف الانتقال و ايقاعه.
تمت انتخابات 89 ضمن شروط النظام بعد ان أعاد هيكلة الحزب الحاكم و تشكيل المنظمات الرئيسية(اتحاد الشغل و الاعراف و المرأة و الفلاحين) وفق هواه مستثمرا في استقطابات المعارضة و عجزها عن بناء الاستراتيجات الموحدة للضغط .
ثم بدأ الجنرال يتراجع عن وعده النوفمبري و يمعن في مسارات القمع الممنهج سجنا و نفيا و اقصاء حتى استقر نظامه في حكم تسلطي عائلي مافيوزي تحيط به طبقة سياسية و اعلامية "زبونية" تزين الفيترينة وتؤثث الدعاية السوداء و تصنع الاستقطابات و تقايض بقاء النظام برهن القرار الوطني .و لم يعد سقوط هذه المنظومة ممكنا إلا بتظافر ضغط شعبي من هامش الحياة السياسية و تمرد الاجهزة و ارتفاع الغطاء الدولي و كان اسهام المعارضة المستنزفة محدودا .
في سياقات فشل "النخبة" في استثمار "حدث" 17 ديسمبر للذهاب به الى حقيقته الثورية و انجاز انتقال حقيقي في مواجهة "قديمة" تُحسن في كل مرة رسكلة نفسها أُختار "في ذكرى الوعد المغدور" طرح سؤالين للنقاش:
هل يتعلق الأمر بطبيعة ثابتة لنظام سياسي تسلطي مستعص عن الاصلاح بحيث يُمنع الأمل في انتقاله الى الديمقراطية ؟
أم يتعلق الأمر بنخبة سياسية و ثقافية تونسية ضعيفة و سهلة الاختراق و مسكونة بالاستقطاب ما يجعلها باستمرار منتجة لشروط انتصار الاستبداد عليها؟
فلنُفكر …