رزنامة الامتحانات و العطل؟

Photo

لماذا يرفض الناس، تلاميذ و مربين و متفقدين، الحل الذي توصلت إليه وزارة التربية مع الجامعة العامة (النقابة العامة تغيّر إسمها) للتعليم الثانوي في خصوص رزنامة الامتحانات و العطل؟ المسألة ليست جديدة. منذ سنوات عديدة يعيش التلاميذ و المربون أزمة في سياسة التقييم.

و في كلّ عام تقع إحتجاجات من طرف التلاميذ و المربين معا أو من أحد الطرفين رفضا للإجراءات الإرتجالية التي تتخذها الوزارة دون دراسة معمقة و دون سياسة تربوية واضحة الأهداف.

إلّا أنّه بعد أن تتورط الوزارة و تنكشف سلبيات تلك القرارات و تواجه رفضا لذلك من أوسع القاعدة التلمذية و من المربين و الأولياء حتى، حينها فقط تلتجئ إلى الطرف النقابي و تستنجد به لبحث الحلول الترقيعيّة الظرفية المستعجلة. فوصل الأمر إلى إلغاء امتحانات ثلاثية و احتساب ثلاثيتين فقط في إحدى السنوات الأخيرة ثمّ في سنة دراسية أخرى وصل بنا الاستهتار إلى إلغاء الأسبوع المغلق في ثلاثية ثمّ عدنا إليه في الثلاثية التالية ثمّ أتممنا العام بدون أسبوع مغلق.

و لقد إعتمدنا فرضي مراقبة و فرض تأليفي ثمّ عدلنا على ذلك بعد أن أجرى عدد كبير من الأساتذة الفرضين و احتسبنا العدد الأعلى منهما و بالنسبة للأساتذة الذين لم ينجزوا إلا فرضا واحدا إلى تاريخ الإتفاق جعلناهم يكتفون بذلك مما أدخل بلبلة في صفوف التلاميذ الذين أرادوا الإنتفاع بالأفضلية مثل زملائهم ممن تمتعوا بها....

بل إنّ السيد الوزير السابق عمد إلى اقتراف ما لا يتخيّله عاقل حيث قرر الإرتقاء الآلي. و في كلّ مرة تتدخّل النقابة لمحاولة حلّ الإشكال على الأقلّ ظرفيا و إجاد حلولا ترقيعية. هنا يُطرح سؤال جدّي بكلّ إلحاح فهل أصبحنا نشهد أنّ النقابة تحوّلت من نقابة مناضلة إلى نقابة مساهمة؟ و هو ما يرفضه أوسع القاعدة الأستاذية.

فكيف تقبل النقابة على نفسها أن تكون طرفا في اتفاق ترقيعي عقيم في مناسبات متكررة؟ و الأمر قد يُقبل لو حصل مرة اقتضتها الظروف و لكن تكرار ذلك لمرات عديدة هو المشكل الذي يجعل الطرف النقابي في غير موقعه الطبيعي.

إنّ المشكل الذي نعيشه هذه السنة نتج عن فرض تقسيم السنة الدراسية الفارطة بطريقة أحدثت اختلاف في نظام العطل لدى تلاميذ الإبتدائي و الإعدادي و الثانوي من ناحية و طلبة التعليم العالي من ناحية أخرى. لقد عارض هذا النظام جانب كبير من المجتمع تختلف زوايا النظر لمكوناته. لقد منع هذا النظام كثيرا من العائلات الخروج في رحلات عائلية إلى المناطق السياحية الفصلية.

لقد تضرر من جراء ذلك بعض المستثمرين في السياحة الفصلية. هذا سبب من الأسباب الرئيسية التي جعلت الوزارة تنفرد بالرأي و تغيّر نظام العطل هذه السنة. أمّا السبب الثاني فإنّ ما تعرّض له الوزير السابق من فشل و رفض من جلّ المشاركين في العملية التربوية يجعل الوزير الحالي يحاول تغيير ما يمكن تغييره محاولة لكسب إنطباع إيجابي.

و لكن السياسة التربوية لبلادنا ليست بالإستقلالية الكافية التي تجعل القرار وطني صرف. فلذلك لا يمكنهم العدول على كلّ القرارات التي اتخذها الوزير السابق لأنها لم تكن قرارات نابعة من إرادة وطنية محضة كذلك. فكان القرار بالإبقاء على نظام الإمتحانات و تغيير نظام العطل و هو ما جعل العطلة الشتوية تسبق الإمتحانات مما يفقدها معناها. و هذا ما جعل التلاميذ حتى في المعاهد النموذجية يرفضون النظام.

نفهم من هذا أنّ القرارات هي قرارات مملاة من رؤوس الأموال و من الدول الإستعمارية. و يرفض كلّ وطني أبيّ أن يتموقع مع هذه القوى المعادية لمصالح أوسع فئات الشعب. لقد تجنّب المجتمع بكلّ فئاته حدوث الكارثة في العملية التربوية التعليميّة و لو بتأجيلها في انتظار إصلاح تربوي طال انتظاره. كيف ننتظر إصلاحا تربويا من نفس الناس الذين أوصلوا التعليم إلى الحالة الرديئة التي يشهدها؟ هل يجوز أن تنسّق الوزارة مع الجامعة (النقابة) العامة للتعليم الثانوي و لا تفعل مع نقابة المتفقدين؟ حتّى أدى الأمر إلى رفض النقابة العامة للمفقدين للإجراءات التي وقع الإعلان عنها و أصدرت بيانا في الموضوع.

نقابة ترفض الإجراء الذي وقّعته نقابة ثانية و المتفقدون هم في الأصل كانوا أساتذة. إنّ هذا يدلّ على أزمة أخرى يعيشها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي تتضارب مواقف النقابات داخله كما تتعارض مواقف النقابات مع مواقف المكتب التنفيذي حول عديد المسائل و أهمها مسألة سنّ التقاعد. حيث تفيد الأنباء في وسائل الإعلام أنّ المكتب التنفيذي على وشك إمضاء اتفاق مع الحكومة يقضي بالترفيع في سنّ التقاعد في حين يخوذ قطاع التعليم الثانوي إضرابا يوم 6 ديسمبر 2017 و البند الأوّل في اللائحة المهنيّة هو الرفض البات لجملة المقترحات الحكومية المتعلّقة بأنظمة التقاعد.

و من جملة الأسباب المطالبة بتفعيل الاتفاق الموقع سنة 2011 مع الوزير السابق البكوش و الذي يقضي باعتبار مهنة التدريس مهنة شاقة مما يستوجب تخفيض سنّ التقاعد إلى 55 سنة عوضا عن 60. ممّا أدّى بأن اعتبر كثير من الأساتذة أن المكتب التنفيذي عاد إلى ما كان عليه قبل الثورة أداة في يد السلطة توظّفه ضدّ مصالح منظوريه كيفما شاءت. و على الرغم من أنّ الترفيع في سنّ التقاعد لا ينفي المطالبة بتنفيذ الإتفاق الموقع و القاضي باعتبار التعليم من المهن الشاقة و لكن في انتظار تطبيق الإتفاق فإنّ التعليم الثانوي يخضع لقانون الوظيفة العمومية حاليا و يسري عليه ما يسري على كامل الموظفين العموميين.

و هذا ما يجعل التناقض مبدئيا قبل التوصّل إلى فرض تطبيق الإتفاق. و من جهة أخرى فإنّه يبقى التساؤل مشروعا لم تأخّرت النقابة عن المطالبة بتطبيق هذا الإتفاق كلّ هذه السنوات؟ رغم مطالبة القواعد الأستاذية بالتفعيل في كلّ المحطات النضالية السابقة.

إنّ هذا التأخير لا يُقرأ من الجميع بنفس الطريقة و هناك من يُرجع ذلك لعوامل سياسية و أهداف حزبية إديولوجية ضيّقة. كتبت أستاذة قاعديّة : "الترفيع في سن التقاعد إلى 62 سنة نتصدى ايام الجمر للديكتاتور .... نواجه القرارات الحكومية ونطيح بالوزراء أحيانا.. نحن الاساتذة ورقة رابحة ووسيلة ضغط لكن إذا تعلق الامر بمطالبنا المشروعة لا نجد شيئا .. . ....نشعر بالاحباط ولا من يهتم نغلي غضبا ونشعر بالعجز ومرارة الخيانة.. وماذا عسانا نفعل عندما تطعنك ذاتك ؟... عندما تأتيك الضربة من الداخل؟ ...عندما يهزمك كيانك الذي صنعت قوته؟... ماذا عسانا نفعل عندما تتنكر قيادات الاتحاد لقواعدها من الأساتذة؟ .... ماذا عسانا نفعل عندما يخونك الأقربون؟ أصبحت أشعر أن شعار " الاتحاد أعتى قوة في البلاد" ولد ديكتاتورية جديدة . ألا بئس النقابي الذي ترفعه القواعد على الأعناق ثم يخون ويخذل ويتنكر" .

إنّ ملفّ التربية تغافلت عنه القوى السياسية و اعتبرته ملفّا ثانويا. و بقي بعض المختصين الغيورين على التعليم يصارعون من أجل إصلاح تربويّ يؤسس لتعليم يرقى بالناشئة و يستجيب لحاجيات المجتمع و يواكب العصر مع ترسيخ القيم الحضارية و الهويّة العربية الإسلامية. و لكن على الرغم من الجهود المبذولة من هؤلاء لم يستطيعوا نيل الاهتمام اللازم من طرف السياسيين لا الحاكمين و لا المعارضين.

لكنّ الأزمة وصلت حدّا لا يمكن بعده التأجيل و سيُجبر المجتمع قريبا لفتح الملفّ و درسه و الحسم فيه. ليتنا تركنا لأنفسنا الفرصة للإشتغال في هذا بروية و على مهل.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات