خصّص رئيس الحكومة في خطابه الأخير أمام البرلمان فقرة للحديث عن الإصلاح التربوي ضمن محور الإصلاحات الكبرى. وقال إن على الحكومة أن تجعل التربية والتعليم مصعدا اجتماعيا من جديد لعموم أبناء الشعب وذكر بالرابطة العضوية ببين التنمية والتربية، كما أعلن السيد رئيس الحكومة أنه قد طلب من وزير التربية الإذن بإطلاق تمشي الإصلاح التربوي من جديد وتشريك مختلف الأطراف ذات العلاقة به ومن بينهم ناشطو المجتمع المدني.
وفي نظرنا، يعدّ إدراج ملف الإصلاح التربوي ضمن الإصلاحات الكبرى المزمع متابعتها من الحكومة أمرا إيجابيا، كما أن توصية رئيس الحكومة بتشريك مختلف الأطراف ذات العلاقة في هذا الإصلاح أمر طالما طالب به المجتمع المدني وخبراء التربية الوطنيون الذين تم إقصاؤهم منه منذ أن بداية ترأس ناجي جلول لوزاؤة التربية، ونأمل أن يقع تفعيل هذه التوصية الحكومية بصفة جدية. ومع ذلك تبقى لدينا مجموعة من التحفظات:
- وأهمها يتعلق بالدور الخارجي في الإصلاح التربوي ونوعية هذا الدور وحجمه. فمعلوم أن المنهاج التربوي العام قد صيغ تحت إشراف المركز الدولي للدراسات البيداغوجية CIEP الذي هو جهاز رسمي تابع لوزارة التربية الفرنسية، وبمشاركة خبراء متعاقدين مع اليونساف، فضلا عن دور البنك الدولي وخبراء أجانب آخرين في مراقبة مسار الاختيارات الاستراتيجية في الإصلاح التربوي، بينما وقع حلّ اللجنة العلمية الوطنية للإصلاح التربوي واللجنة الفنية الموسّعة اللتين تم إحداثهما قبل مجيء ناجي جلول إلى وزارة التربية، وتمّ بموجب ذلك إقصاء كل خبراء التربية الوطنيين من أساتذة علوم التربية وتعلميات المواد والاقتصاد والتنمية من تمشي الإصلاح التربوي وإعداد مشروع القانون المتعلق بالمبادئ العامة للتربية والتعليم والمنهاج التربوي العام وكل الوثائق المرجعية المتعلقة به.
كما تأخر إلى حد الآن إحداث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي هو من بين أهم مخرجات الحوار الوطني حول الإصلاح التربوي، هذا المجلس الذي يفترض أن يتحمل مسؤولية الإشراف على مختلف الوثائق المشار إليها آنفا وغيرها من الخطط والبرامج الاسترتيجية ومشاريع القوانين المتعلقة بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وتقييمها.
- إن المنهاج التربوي العام قد صيغ بناء على ما تضمنه مشروع قانون الإصلاح التربوي الذي صيغ في عهد ناجي جلول، والذي شهد اعتراضات جدية من قبل المجتمع المدني والخبراء الوطنيين ولم يحظ بموافقة اتحاد الشغل إلى الآن ولم يمض عليه. وما استند لفاقد للشرعية القانونية هو أيضا فاقد لهذه الشرعية.
- إن مشاركة الخبراء الوطنيين والمجتمع المدني يجب ألا تكون هذه المرة مشاركة ثانوية وما بعدية، بل آن الأوان لإعادة إطلاق مسار الحوار المجتمعي حول التربية الذي وقع إجهاضه في أعقاب ترك الوزير فتحي الجراي مقاليد الوزارة لخلفه ناجي جلول. بطبيعة الحال، لا يمكن تجاهل كل ما أنجز منذ ذلك الحين إلى الآن، ولكن يجب أيضا عدم تجاهل ما أنجز حتى قبل وزارة ناجي جلول، أي العمل الكبير الذي تم زمن وزارة الأستاذ عبد اللطيف عبيد، وكذلك ما أنتجه وأنجزه المجتمع المدني بالموازاة مع ما سمي بالحوار الوطني حول الإصلاح التربوي، ومن ذلك الكتاب الأبيض لإعادة بناء المنظومة التربوية للائتلاف المدني والذي عرضه يوم 20 جانفي 2016 أمام لجنة التربية في البرلمان، ومشروع القانون الذي تقدم به لإحداث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وكذلك كل الوثائق التقييمية التي أعدّها بخصوص كل ما صدر عن وزارة التربية في سياق "الحوار الوطني حول الإصلاح التربوي". دون أن نغفل عن أعمال جهات مدنية أخرى، مثل شبكة ريفورس وجمعية تطوير التربية المدرسية والتحالف المدني من أجل التعليم ومنتدى التربية والمواطنة.
لذا فنحن نقترح أن يوجه وزير التربية دعوة لكل الأطراف التي أثبتت جديتها وعمق طرحها لمسألة الإصلاح التربوي وأن يدعو أيضا أعضاء اللجنة العلمية الوطنية للإصلاح التربوي التي وقع حلها عند قدوم ناجي جلول لوزارة التربية، وجلهم من الجامعيين حملة الدكتورا في علوم التربية وعلم اجتماع التربية والاقتصاد والتنمية. وأن يكون هنالك هذه المرة حوار وطني من أجل صياغة ميثاق وطني للتربية والتكوين يكون بمثابة الدستور للمدرسة التونسية يتواضع حوله كل أو جل التونسيين. حتى لا يُتأول الدستور على أنحاء مختلفة، بعضها ذاهب بمعناه ومجاف لروحه.
أما في غياب كل هذا، فلا معنى لاستئناف الحوار والعمل على الإصلاح التربوي، ويكون انتظار استحقاق 2019 أفضل من أجل توفير الضمانات السياسية والقانونية والمجتمعية من أجل إصلاح تربوي وطني سيادي ناجع يحدث النقلة النوعية المنشودة للمدرسة التونسية.