جاء في مقال اليوم بجريدة الصباح (الأربعاء 29 نوفمبر 2017)، تحت عنوان "الإصلاح التربوي...عود على بدء...أم استكمال للمشروع؟" عدّ معلومات هامة، نوردها كما هي ثم نعلّق عليها بما نراه مناسبا:
أكّد وزير التربية حاتم بن سالم على أنّ "الحكومة ستقوم بمجهود استثنائي في أواخر ديسمبر 2017 في مجال التربية، وأنّ رئيس الحكومة سيجمع الوزراء ليوم كامل حول هذا الملف وستفرز الاجتماعات توصيات خصّصت لها ميزانيات دقيقة.
وكانت الحكومة قد اتفقت في اجتماع تم أول أمس الاثنين مع قيادة اتحاد الشغل على أن السنة القادمة ستكون سنة إنقاذ المدرسة العمومية.
كما أكّد وزير التربية على وجود هبات وتمويلات من متطوّعين تونسيين وأجانب لمساعدة المؤسسات التربوية، على غرار الصندوق الكويتي للتنمية الذي سيمنح تمويلات لتونس في مجال التربية.
بن سالم نوّه أيضا بأنّ"الإصلاح التربوي ليس مشروع الوزارة لكنه مشروع المجتمع بأكامله لأنه مشروع بناء حضارة، وأوضح بأن الإصلاح "لا بدّ أن يتمّ وفق مقاربة تشاركية وبالوفاق مع كل الأطراف الاجتماعية"..وأعلن أنه سيولي عناية خاصة لتحسين ظروف التدريس والبنية الأساسية للمدارس.
سنلخّص النقاط الواردة أعلاه ونعلّق عليها بالتوازي:
1- الحكومة ستجتمع في نهاية ديسمبر بكل الوزراء يوما كاملا حول ملف الإصلاح التربوي وستخرج بقرارات هامة خصصت لها ميزانيات دقيقة.
حقيقة، لسائل أن يسأل عدة أسئلة حارقة:
أولها: بأية قوة خارقة ستحلّ الحكومة في يوم واحد مشاكل ملف الإصلاح التربوي؟ هل أن ذلك اليوم سيكون "ليلة قدر الإصلاح التربوي"؟
ثانيا: كيف تعدّ ميزانيات دقيقة لتوصيات لم تصدر بعدُ وستصدر في ذلك اليوم المشهود في أواخر شهر ديسمبر القادم؟ ألا يعني هذا أن هذه "التوصيات" جاهزة بعدُ، وأنها لن تكون توصيات مجلس الوزراء، بل توصيات الواهبين والمموّلين الأجانب للجانب الذي ارتضوه من الإصلاح التربوي، وأنّ دور مجلس الوزراء سيقتصر فقط على إضفاء الشرعية السياسية الداخلية والقانونية الإجرائية على تلك التوصيات/الاشتراطات؟
ثالثا: ماذا يعني اجتماع كامل الطاقم الحكومي حول ملف يهم وزارة التربية أكثر من غيرها من الوزارات بما أنه يختص بالملف التربوي؟ ألا يعني هذا أن ما سيركز عليه في هذا الملف هو خاصة الجانب المادي الذي يهم وزارات عديدة مثل وزارة المالية ووزارة التجهيز ووزارة البيئة والتنمية المحلية ووزارة الداخلية ...الخ. ألا يعني هذا أن الجانب المنهاجي والاختيارات البيداغوجية وفلسفة الإصلاح التربوي بما فيها من اختيارات استراتيجية ومبادئ عامة وملامح شاملة للخريجين، لن تكون مطروحة على هذا المجلس الوزاري؟ وكيف تطرح على مثل هذا المجلس بينما هي من اختصاص مجلس آخر لم يُحدث بعدُ من جديد وهو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والحث العلمي؟
رابعا: إذا كان هذا المجلس الوزاري سيحسم في ملف دام العراك حوله سنتين مع وزارة ناجي جلول، فما هو مصير عمل اللجان الفنية المشتركة طوال تلك السنتين؟ وما هو مصير المنهاج التربوي العام المسقط على المدرسة التونسية من قبل مجموعة من المتفقدين يشرف عليهم جهاز أجنبي رسمي تابع لوزارة التربية الفرنسية؟ وما هو مصير مشروع قانون المبادئ العامة المتعلقة بالتربية والتعليم الذي استمد منه ذلك المنهاج فلسفته العامة والمسقط هو الآخر على المدرسة التونسية بما يجافي روح الدستور وبما لا ينضبط مع بعض ما هو معلوم من هندسة الإصلاحات التربوية بالضرورة؟
خمسا: كيف سيحسم المجلس الوزاري في ملف التربية والحال أن وزير التربية ورئيس الحكومة يؤكدان أن هذا الملف يهم كل المجتمع وكل الفاعلين التربويين، إن لم تكن طبيعة الحسم كما أسلفنا مجرّد حزمة من الإجراءات المادية التي قد لا ترقى، على أهميتها، إلى تطلعات عموم المربين والتربويين وفعاليات المجتمع المدني والأسر التونسية الواعية، ولا ترقى إلى درجة الإصلاح الذي يضمن اللحاق بركب الأمم المتقدمة كالأمم السكندنافية وبعض الأمم الآسياوية الشرقية أو الأمريكية الشمالية؟
2- الحكومة اتفقت أخيرا مع قيادة اتحاد الشغل على أن السنة القادمة ستكون سنة إنقاذ المدرسة العمومية. هنا تثار أسئلة شبيهة بالأسئلة التي طرحناها آنفا، كما يثار السؤال الخاص بخطة الإنقاذ التي ستعتمد؟ كيف يمكن للحكومة أن تنقذ المدرسة وهي لا تدعو خبراء التربية الوطنيين من الدرجة العليا للمشاركة وللإشراف العلمي والفني على الإصلاح التربوي، وتواصل الاعتماد الصامت على خبراء أجانب لا يفقهون كثيرا روح الدستور التونسي وروح الثورة التونسية والبيئة الاجتماعية والثقافية الوطنية؟ وكيف يمكن لاتحاد الشغل بما هو نقابات وظيفةٍ عموميةٍ وتعليمٍ أن ينقذ المدرسة التونسية في ما وراء الجوانب الاجتماعية في الإصلاح التربوي، إن لم يعتمد هو الآخر على مثل أولئك الخبراء من أصحاب التخصص التربوي الدقيق والدرجة العلمية العالية والخبرة الدولية المشهود بها لهم في هذا المجال؟ وهل أن الإصلاح التربوي يمكن أن يختزل في مجرد "خطة إنقاذ"؟ وهل يمكن اعتبار خطة الإنقاذ هذه خطة استعجالية للإصلاح التربوي، على أن توضع الخطة الاستراتيجية العميقة والشاملة من قبل مؤسسة وطنية مستقلة تحدث للغرض مثل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك بعد سنة 2019، بحكم أن سنة 2018 ستكون سنة وضع الخطة وبداية تجريبها، وسنة 2019 هي لمواصلة تطبيقها بعد التقييم والتعديل المناسبين؟
3- نأتي الآن إلى قضية تمويل الإصلاح التربوي؟ ماذا يعني "تمويل الإصلاح التربوي"؟ هل يعني تمويل إصلاح تربوي شامل وعميق وجذري أم مجرد تمويل بعض أشغال الصيانة للمدارس وتوفير بعض مستلزماتها اللوجستية والبيداغوجية وبعض المطاعم المدرسية وبعض أكياس الفرينة وعلب الحليب..الخ؟ ومن هي هذه الجهات الأجنبية التي ستتولى "التطوع" "لله في سبيل الله" ومن أجل تكريس مبدإ "التضامن والأخوة الإنسانية" لتمويل الإصلاح التربوي؟ لماذا ذكر الوزير إخواننا الكويتيين وسكت عن البنك الدولي وعن بعض المؤسّسات الأوروبية التي ستشارك في هذا التمويل وهي التي أمضت مع تونس عديد الاتفاقيات الخاصة بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي؟
4- نأتي أخيرا إلى الطبيعة التشاركية للإصلاح التربوي التي أكّد عليها السيد وزير التربية: ليكن في علم السيد الوزير أن هذا التصريح يبقى بلا معنى إذا ما لم تفعّل وزارة التربية شراكاتها مع الجمعيات التربوية التي أثبتت جديتها وسبقها في التعاطي مع ملف الإصلاح التربوي، وإذا لم تشرّك في هذا الإصلاح الجمعيات وشبكات الجمعيات التربوية التي تقدمت بنصوص وخطط ومشاريع وأنتجت أدبيات محترمة في مجال الإصلاح التربوي، وفي مقدمتها الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية، الذي له كتابه الأبيض لإصلاح المنظومة التربوية والذي عمل تطوّعا كمرصد وطني وكمعهد وطني لتقييم كل ما أصدرته وزارة التربية من وثائق في سياق ما سمي بالحوار الوطني لإصلاح المنظومة التربوية، والذي تقدم بمشروع لإحداث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. كما لا يفوتنا التنويه بمبادرات جمعية تطوير التربية المدرسية، وشبكة التربية والتكوين والبحث العلمي، ومنتدى الفارابي، والمنتدى التونسي للتربية والمواطنة، والتحالف المدني من أجل التعليم، والجمعية التونسية لرعاية الموهوبين، ومنتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية، والمركز التونسي للتربية والديمقراطية، والجمعية التونسية للمربين، وجمعية أنصار فلسطين، وغيرها من الفعاليات المدنية التي تحمّست جدا للإصلاح التربوي ونظّمت في شأنه الورشات والندوات العلمية والأيام الدراسية وأصدرت بخصوصه مجلات وكتبا وكتيبات ونشريات على غاية من الأهمية.
كل هذه الأسئلة وكل هذه الملاحظات تعبّر في الحقيقة عن حيرتنا التي نلخّصها في سؤال واحد: متى يحقّ لتونس أن تنجز إصلاحا تربويا وطنيا سياديا ديمقراطيا تشاركيا شاملا وعميقا؟