تعجلت الرحيل يا محمد ..غادرت سريعا يا " قدحة " أرواحنا الهامد جمرها في رماد الكهف سنينا عددا ...كان يجب أن تنتظر أكثر يا محمد ...كان يجب أن تنتظر ..حتى يصهد سعير لهبك المقدس وجوه " قتلتك " الممتقعة ...كان يجب أن تنتظر أكثر حتى نطهر بشهابك جراح " اقفيتنا " الصاغرة من زمان على مذابح ذلنا و صغارنا ..حتى نكوي جلودا ما عادت تحس بلظى نارك المشرعة في شتاء " العربان " المسبية أغنامهم عند " بايات الامحال " وجباة الضرائب بعد أن باعهم سيدهم بهناشير الروحية و تعاويذ دراويش الزوايا …
ذهبت سريعا يا " صليب " صمتنا ..ذهبت سريعا و حملت عنا كل ذنوبنا.. وحيدا في درب الأوجاع .. و فديتنا قبل أن نحج إلى واديك المقدس ..هناك ...حيث نخلع نعالنا ..و نقتبس لأهلنا من حريقك شعلة ..رحلت سريعا يا ابن العزيز ..و تركتنا للعجاف و لا حب ينام في سنابله ..رحلت سريعا ولم تترك قميصك عليه دم حقيقي كي نقول كما قال شاعرنا ...نشهد أن هذا دم تفرق بين المدن الكالحة المكللة بالبرد والجوع و المسغبة …
يا أيقونة الغضب الصاعد من تخوم بلاد اتخمها خطاب الرضا ...يا أيها الشرر المتطاير على أكاذيب " نجاح " لم يبصر اهلك فيئه ...يا جمرة القابعين على هوامش القرى التي أفسدها الملوك ..يا حرقة " الموال " المتردد بين سباسب الحزن إلى جبال منهوبة أحشاؤها ...يا تغريبة " الهلالي " الموءود في مواقد أعراسه المقلوبة أحزانا ...يا محمد ..الهاتفون حول تابوتك والهاتفات ..المكبرون على طول طريق أجدادك والنائحات ...الرافعون لقبضاتهم و المزغردات …
هم من نار خلقك يا محمد ينسلون ...هم حواريوك الحقيقيون يا محمد ....أما نحن يا " طريح الجب " ..أما نحن ...فمجوس نرقص حول سامورك حتى ينفض لنعود إلى " بلادة " غفلتنا القديمة ندبج " دساتير " مدننا الفاضلة على الأرائك متكؤون ...أولئك هم نسلك يا محمد ...يغرسونك " جمرة حرى " في " اسودة " ثرى أجدادك كي تبيض الحقول وتزهر …
هناك يا محمد ...كنت أنا ذات يوم في " اسودة " جدك ...هناك ..كنت ألقن بعض أقرانك " أكاذيب الدولة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان " و هناك يا محمد كنت ألقنهم فضائل " العمل " الذي " خلق الإنسان " و ابعد عن الإنسان " القلق " و " الرذيلة " و " الاحتياج " ...ثم تركتهم ...هناك ...لأراهم بعد عقود يعودون بك جمرة يدسونها في ارض هجروها من زمان ....أولئك هم ورثتك الشرعيون يا محمد ...أما نحن ...أما أنا ...فنغمس في صحفتك ثم ننساك و نسلمك ...وكم من " يهوذا " اسلم مسيحه بعد أن أكل من طعامه واقتبس من ناره …
ذهبت سريعا يا ابن العزيز قبل أن يقطعوا أيديهم من " سقر " جهنمك المفتوحة على كيدهم ..سريعا ذهبت قبل أن تلقي بقميصك على وجوهنا فنرتد مبصرين بضوء قناديلك أشعلتها من دمك المتقدم في الأرض .. تعجلت الرحيل قبل أن نقف على باب حرقتك معتذرين ..
هناك يا محمد حيث يضمك ثرى أجدادك بردا وسلاما ..هناك سيعود لوجهك زهوه و لعينيك ماء الحياة في أحداقها ..هناك ستنبت سنابل خضر يقطفها اهلك و يذرون الحب في سنبله حتى لا تأتي العجاف …أما نحن فسينحبس الاعتذار في حلوقنا حتى نكون …أو ..لا نكون.