دحلان،محسن مرزوق،ياسين إبراهيم، عبير موسي

Photo

محمد دحلان، عراب الثورات المضادة، وقلب المؤامرات السياسية ضد إرادة الشعوب العربية بدعم مالي إماراتي، مجددًا في تونس مهد الربيع العربي، هذه المرة التقى دحلان، رئيس حزب "آفاق تونس" ياسين إبراهيم الذي عرف عنه أيضًا تورطه في العديد من القضايا المتعلقة بالفساد فضلاً عن تلقيه مؤخرًا تهمًا بالمس بالسيادة الوطنية، فما الذي يُخطط لتونس التي تحتفل هذه الأيام بالذكرى السابعة لثورتها المجيدة؟

نفي ثم تأكيد

مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نفت قيادات حزبية تونسية عزمها لقاء القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية محمد دحلان، بعد أن تناقلت وسائل إعلام محلية أنباء عن زيارة مرتقبة له إلى تونس، وإمكانية عقده لقاءات سرية مع ثلاثة أحزاب (مشروع تونس، الحزب الحر الدستوري، آفاق تونس).

نفي جاء بعد موجة من الرفض والاستنكار والتنديد من تونسيين وقيادات حزبية ونشطاء سياسيين، لما لهذه الزيارة - إن تمت - من تداعيات على وحدة الشعب التونسي ومسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، خاصة في هذه الظرفية الحرجة التي تمر بها تونس.

إلا أن هذا النفي لم يدم طويلاً، فقد خرج قيادي لأحد الأحزاب الثلاثة التي اتهمت بالإعداد للقاءات سرية مع دحلان، ليؤكد لقاء حزبه الذي كان ضمن حكومة الوحدة الوطنية في تونس قبل أن ينسحب منها، مؤخرًا، مع هذه الشخصية الفلسطينية المقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة والمقربة من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان.

وأكد القيادي في حزب "آفاق تونس" مهدي الرباعي، في تصريح له لجريدة الصباح المحلية، لقاء قيادات حزبه على رأسهم رئيس الحزب ياسين إبراهيم مع محمد دحلان، معتبرًا هذا اللقاء طبيعيًا وعاديًا، قائلاً: "التقيناه كما التقته أطراف سياسية أخرى، وهو يندرج في إطار دبلوماسية الحزب".

ويصنف تصريح مهدي الرباعي، وتأكيده حدوث هذا اللقاء، ضمن الأساليب الاستباقية، خوفًا من يتم تسريب المعلومة إلى الرأي العام، ويصبح الأمر بمثابة فضيحة، خاصة أن الشارع التونسي يرفض تمامًا فكرة التعامل مع هذه الشخصية الفلسطينية المشبوهة.

أولى ثمرات اللقاء انسحاب من الحكومة

لقاء دحلان مع ياسين إبراهيم، تزامن مع دخول هذا الأخير في حرب مسعورة مفاجئة ضد حكومة يوسف الشاهد، وخروجه منها بعد أن أكد في وقت سابق عقب أشغال المجلس الوطني للحزب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن الخروج من حكومة الوحدة الوطنية غير مطروح ولا نية لهم لذلك.

ويرى متابعون للشأن السياسي التونسي، أن إعلان إبراهيم، انسحابه رسميًا من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد، الأسبوع الماضي، دون الرجوع إلى قيادات حزبه، حسب ما أكده وزراء الحزب في الحكومة، يأتي في إطار خطة محكمة بين ابراهيم ودحلان لإرباك حكومة الشاهد.

فبعد إعلانه انسحاب حزبه من الحكومة، يسعى رئيس حزب آفاق تونس حاليًّا، إلى جر وزرائه للاستقالة لدفع الشاهد إلى الدخول في تعديل وزاري رابع، ليلعب بذلك بآخر أوراقه في إحراج الحكومة ورئيسها والائتلاف الحكومي الذي يدعمها، وبالأخص الترويكا الجديدة المكونة من حزب نداء تونس والنهضة والاتحاد الوطني الحر.

وقبل شهر، أسس هذا الحزب بمعية أحزاب أخرى يعرف عنها عداؤها لحركة النهضة التونسية، جبهة برلمانية جديدة تحمل اسم "الجبهة البرلمانية التقدمية الوسطية"، جبهة تسعى حسب قياداتها إلى إعادة التوازن في البرلمان الذي تسيطر عليه حركة النهضة حسب قولهم وأخذ سلطة القرار منها، وإقصائها من العمل السياسي في تونس.

ومؤخرًا شن ياسين إبراهيم، هجومًا على حركة النهضة، مشككًا بشعار الفصل بين الجانبين السياسي والدعوي الذي اعتمدته في مؤتمرها الأخير، واعتبر إبراهيم خلال اجتماع لحزبه، أن التحالف القائم بين حزبي نداء تونس والنهضة غير مبني على الثقة، وأضاف "العائلة السياسية المدنية الحداثية لديها رؤية للمجتمع مخالفة للرؤية التي تدافع عن الإسلام السياسي".

ودعا إلى هزيمة حركة النهضة في الانتخابات المقبلة، معتبرًا أن "جلب النهضة للمدنية" يمر عبر هزيمتها في الانتخابات وجعلها ضمن الأقلية المعارضة، وبالتالي وضعها في اختبار عن مدى ابتعادها عن نهج العنف، وأضاف "ينبغي على النهضة أن تبرهن على نبذها للعنف من خلال وجودها في المعارضة لمدة خمس سنوات وحينها يمكن القول إن الحركة تحولت فعليًا إلى حزب سياسي".

"أجندة مريبة يريد ياسين إبراهيم تمريرها"

هذا الخروج المفاجئ لحزب آفاق تونس من حكومة الوحدة الوطنية، والحرب المسعورة التي شنها ضدها، جعلت العديد من القيادات في الحزب منهم وزراءه في الحكومة، تتحدث عن "أجندة مريبة يريد ياسين ايراهيم تمريرها"، مؤكدين عدم احترم إبراهيم للتمشي الديمقراطي داخل الحزب.

هذه الأجندة المشبوهة التي تحدث عنها قيادات الحزب، رأى فيها عديد من المتابعين للشأن السياسي في البلاد، أنها تهدف إلى إرباك الوضع العام في تونس بما يتماشى مع سياسة الإمارات في المنطقة وسعيها إلى إجهاض الثورات العربية.

وحمل عدد من قيادات الحزب، ياسين إبراهيم، مسؤولية تدهور الوضع السياسي في البلاد، متهمينه بمحاولة فرض أجندات أجنبية على الحزب والبلاد، ولم يكن التونسيون يعلمون عن إبراهيم شيئًا قبل سنة 2011 عندما عُين وزير للنقل والتجهيز في حكومة محمد الغنوشي عقب الإطاحة ببن علي، ومنذ ذلك الوقت بقي اسم ياسين إبراهيم في أذهان التونسيين ليس لكفاءته بل نتيجة ما رافقه من شبهات فساد هو وحزبه الوليد "آفاق تونس".

ويواجه ياسين إبراهيم اتهامات بالمس بالسيادة الوطنية بسبب توقيعه على عقد مع بنك "لازار" الفرنسي بصفته وزير التنمية والتعاون الدولي في أكتوبر الماضي بقيمة نصف مليون يورو، يقوم بمقتضاه هذا الأخير بتحديد أولويات تونس التنموية للسنوات الخمسة المقبلة، وهو ما اعتبره البعض "مساسًا بالسيادة الوطنية"، فيما حاول إبراهيم التقليل من أهمية الأمر.

"عبير موسي " على الخط

إلى وقت كتابة هذه الأسطر لم يتأكد بعد لقاء رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي بمستشار ابن زايد، محمد دحلان، ورغم ذلك تشير العديد من التقارير أن موسى بدأت في تنفيذ أجندة دحلان في البلاد، حيث أسندت لها مهمة ضرب فرع تنظيم اتحاد علماء المسلمين بتونس.

ودخلت رئيسة الحزب الدستوري، مؤخرًا، في حرب مع فرع تنظيم اتحاد علماء المسلمين بتونس، مطالبة بتفعيل قانون الإرهاب وغلق الفرع نهائيًا ومحاسبة أعضائه، مؤكدة تقديمها شكوى لدى القضاء التونسي ضد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس فرع الاتحاد في تونس عبد المجيد النجار ووزير الشؤون الدينية السابق نور الدين الخادمي، وتتزامن هذه الحرب المعلنة من عبير موسي ضد التنظيم مع حرب إماراتية ضد الاتحاد.

ومطلع هذا الشهر قالت عبير موسي التي كانت تشغل منصب أمينة عامة مساعدة لحزب التجمع المنحل (حزب ابن علي) قبل الثورة: "الربيع العربي انتهى والعمل الآن هو إنقاذ تونس من منظومة الخراب التي جاءت بها الثورة الوهمية التي أنجزت في الغرف المغلقة لدوائر المخابرات الأجنبية لإسقاط البلاد وتحويلها الى دولة فاشلة"، ودعت الرؤساء الثلاث إلى تحمل المسؤولية التاريخية واتخاذ الإجراءات الضرورية لإنقاذ تونس من وضعها المتردي.

وأصبحت عبير موسي، مؤخرًا، تلقى حظوة كبرى لدى العديد من الصحف والمواقع الإماراتية، حظوة تتنامى كلما طرحت عبير موسي اسم النهضة واتحاد علماء المسلمين في ميزان التهم، ويتم الاحتفاء بموسى بقدر إشباعها للتهمة الموجهة للاثنين، ثم بقدر تعمير تلك التهم وانتشارها وإثارتها للجدل.

دحلان يكثف نشاطه

في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصف تحقيق لصحيفة لوموند الفرنسية القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان بأنه "قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط"، كاشفًا دوره في تخريب الثورات العربية ومحاصرة الإسلاميين، مشيرًا إلى أنه يحظى في كل تحركاته بدعم سخي ورعاية كريمة من صديقه الحميم ولي عهد الإمارات محمد بن زايد.

وحسب الصحيفة الفرنسية، نسج المستشار لدى سلطات الإمارات محمد دحلان، علاقات مع قيادات من النظام السابق في تونس ومن اليسار "الاستئصالي" المعارض لحركة النهضة الإسلامية، ومن بينهم رفيق الشلي مسؤول سابق في الداخلية خلال حكم زين العابدين بن علي ورئيس حزب مشروع تونس، ومحسن مرزوق المستشار السابق للرئيس الباجي قايد السبسي.

فيما أكدت تقارير إعلامية أخرى، أن دحلان يسعى بمساعدة حلفائه في مهد الربيع العربي إلى حث حزب حركة نداء تونس على فك تحالفه بحزب حركة النهضة، لإرباك الوضع في البلاد ودفعه إلى عدم الاستقرار والفوضى، وارتبط اسم دولة الإمارات العربية المتحدة بالثورة المضادة وأجندتها التخريبية ومعاداتها للتجربة الديمقراطية التونسية وسعيها إلى إفشال الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ سقوط نظام ابن علي في يناير 2011، إذ تكن الإمارات حسب التونسيين لمهد الربيع العربي كل البغض والعداء.

ومنذ بزوغ فجر الثورات العربية من مدينة سيدي بوزيد التونسية في ديسمبر 2010، ما انفكت دولة الإمارات العربية المتحدة تسعى للتدخل في شؤون تونس الداخلية، رغبة منها في إجهاض الثورة والتحكم في مسارها، حتى لا تكون مُحفزة لباقي الشعوب، ولا يطالها لهيب نارها التي قضت على عروش الحكام، ولا يصل شعبها نسمات الحرية التي جابت ربوعها وأحيت في القلوب أملًا طال انتظاره.

راهن صانع القرار الإماراتي في البداية على حزب نداء تونس، لتهميش دور المجلس الوطني التأسيسي وإقصاء حركة النهضة الإسلامية من المشهد السياسي التونسي، فمول نشاطاته وأغدق قياداته بالهدايا، إلا أنه فشل في إخراج المسار التونسي عن المدنية بل أدخله منطق التوافق الذي يزيده صلابة.

ثم تحولت وجهة أولاد زايد إلى أحد أركان حزب النداء، فكان أن تحالفت مع محسن مرزوق الذي انشق عن نداء تونس وأسس حزبًا جديدًا له يحمل اسم "مشروع تونس"، إلا أن مصير ورقة مرزوق كان كمصير ورقة السبسي، فقد فشل في تسويق نفسه كشخصية جامعة لخصوم النهضة وبقية الأحزاب المحسوبة على الثورة، فاحترقت ورقته، وهاهم الأن يراهنون على ياسين إبراهيم وعبير موسي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات