في التفاصيل تكمن الحقيقة الثورية …
أن يتمكن الشعب التونسي الحاضر على شبكات التواصل الاجتماعي من اجبار حكومته و طبقته السياسية على الاستفاقة للتعبير المتفاوت عن الغضب من أجل الكرامة الوطنية فهذا دليل على "عناية الاهية" (حقيقية لا مضروبة) تحمي شعبا و ثورة و توضح رؤية و بوصلة سبب غيابها لدى طبقة سياسية بائسة التفريط في أعظم رأسمال رمزي منحه حدث 17_14 لهذا البلد الصغير.
1-محور الشر و عملاؤه
ما أقدمت عليه "المؤامرات العربانية" منذ يومين ليس سوى الشجرة التي تُخفي غابة الجرائم التي لم يكف نظام آل نهيان و حليفه من آل سعود على اقترافها في حق الأمة العربية و الشعوب الاسلامية بداية من القضية المركزية فلسطين مرورا بتجارب التحرر الوطني العربي و وحدة الوطن الكبير و سيادته على ثرواته و تحقيق تنميته العادلة و استقلال قراراته وصولا الى الجرائم في حق الثورات الحقيقية على الاستبداد الفاسد العميل في تونس و مصر و تخريب قلاع العروبة الكبرى في سوريا و العراق و اليمن و ليبيا .
كل هذه الجرائم تدرك الشعوب العربية بضميرها العفوي أنها تتنزل في سياق الدور الموكول لممالك الاعراب العميلة في المشروع الاستعماري الامبريالي الصهيوني منذ انشاء هذه "الكيانات" على كثابين الصحراء حول آبار الثروة العربية .
2-معسكرالعمالة التونسية ..
خارج ما سبق لن يكون هناك فهم مبدئي لما أقدمت عليه "المؤامرات العربية" و الذي كشف و سيكشف باستمرار و بتقدير رباني حكيم كل الأذرع السياسية و الاعلامية التي وظفها خلفان و دحلان و كل جوقة آل نهيان و سعود للتآمر على "تونس الثائرة" منذ اللحظة الأولى لانطلاق الصراع بين أطياف طبقة سياسية عجز الوطنيون فيها على محورة الصراع بعد هروب المخلوع على قاعدة خط ثورة الاستقلال الوطني الشامل في مواجهة خط العمالة و الارتهان مهما كان شكله.
عندما هرب المخلوع و بدأت القوى الدولية الكبرى في محاولة جرجرة "الثورة التونسية" الى مجرد انتقال ديمقراطي شكلي محدود السقوف الوطنية توزعت "طبقة سياسية جديدة" كانت دون الثورة على معسكرات و رؤى شرق أوسطية و دولية لم يكن أي طرف منها يضمن للثورة التونسية تحقيق آفاقها القصوى كتدشين لحركة شعوب عربية طامحة لأهداف متداخلة بلا ترتيب للتحرر من الاستبداد و تحقيق استقلال القرار الوطني الناجز و العدالة الاجتماعية و التنمية المستقلة و مواجهة العدو و تحرير فلسطين .
سوف يكون عملاء المؤامرات العربانية المتصهينة في تونس أبرز من أثخنوا في جسد تونس الثائرة و أهم من دفعوا المسار الى زواريب الانهاك و الابتزاز لسبب بسيط وهو أن المشروع الصهيوني كان أكثر المشاريع استعدادا للاستثمار في "الربيع العربي" بما يخدم مصلحته و لهذه الأسباب كان آل نهيان و آل سعود باعتبارهم المخالب المتقدمة للمشروع الصهيوني و في تناغم ذكي مع الامريكان و الغرب المتصهين هم الأكثر نجاحا في التلاعب بقوى عديدة في الطبقة السياسية التونسية بمختلف أطيافها .
و قد برز هذا النجاح في المصير البائس الذي شهدته المسارات التونسية و المصرية أساسا و في حجم الدمار الذي سببوه في ليبيا و اليمن ثم سوريا لا بالتوظيف الخبيث لعملائهم فقط بل حتى بالاختراق للقوى المحمولة على الثورات من اسلاميين و علمانيين .
3-الاسلاميون في خدمة محور العربان العميل قبل الافاقة على الخيبة..
في الجرائم على سوريا و اليمن "اشتغل" الاسلام السياسي الديمقراطي "الثوري" و ليس فقط "الغاضب" التكفيري ضمن الأجندة الخلجانية العميلة التي أسقطتهم في تونس و مصر
عندما هرب بن علي و سقط مبارك كان "الربيع العربي" يؤذن بفراغ استراتيجي قد تملؤه الشعوب سريعا بتاليفية التحرر الوطني الديمقراطي الشامل المذكورة اعلاه .كان أمام "النخب الجديدة" نموذجان جاذبان في الشرق ألأوسط :نموذج الانتقال الديمقراطي الاسلامي التركي بسقوفه المعلومة المخيفة للعربان فقط و نموذج الراديكالية الاسلامية الديكولونيالية الايراني بسقوفه المخيفة للامريكان و الصهاينة و العربان معا .
كان الشغل الامريكي الديمقراطي مع اوروبا المعتدلة حريصا على الاسراع بتوجيه الربيع الى "نموذج تركي" يكون أخف الأضرار . اغترت تركيا "الاردوغانية" بهذا التفويض و انتشت "الاسلامية المصرية و التونسية" بهذه التسوية .
مشروع العربان المتصهين الخائف من النموذجين كان الأذكى في التخطيط ليأخذ من "الاخوان الثوار" فتوى "تصدير الثورة المدقرطة " الى سوريا لينجزها العربان والصهاينة بسلاح "التكفيريين" بعد التخلص من "دار الفتوى الثورية الديمقراطية" من اخوان مصر و اسلاميي تونس ليجد "العثماني" نفسه ينزل من مرتبة "النموذج" الى رتبة أداة بلا أوراق بين "آل نهيان" و "آل سعود" في غرفة العمليات "الامريكوصهيونية" التي أخذت من "الثورتين " ما أرادت و منعتها عما تريد الشعوب.
أصبح "نموذج أردوغان" اللطيف نفسه ممنوعا بأمر الخلجان و الصهاينة عن "أصدقائه الاسلاميين الديمقراطيين الثوار" لكن "العناية الربانية" و صمود المقاومة في سوريا و تورط العربان في اليمن جعل "النموذج" و "أصدقاءه" في مواجهة مذبح "الثورات المضادة " الذي يعده "محور العمالة " بهستيرية المهزوم و لعل"النموذج التركي" و اصدقاءه لن يجدوا ملجأ إلا في حضن "النموذج الراديكالي الايراني" الذي قد تتجه الشعوب الثائرة الى "المطالبة بتقليده" بعد الندم على اضاعة فرصة "الاستئناس" به في بداية المد .
4-علمانيون وطنيون في خدمة "الرجعية" و "الاستعمار"..
"العمالة الغبية" أو "الغباء العميل" الذي حكم "استراتيجية الفائزين" بصناديق و شرعية "الشعوب الثائرة" في تونس و مصر و ليبيا و اليمن هي الرؤية البائسة التي تمت صياغتها في مراكز "ثينك تانك " "الانتقال الديمقراطي" بين الدوحة و اسطمبول لإرضاء و طمأنة مهندسي "ربيع الشرق الاوسط الجديد" . و هي الرؤية التي حولت صورة "ثورة" بلا "قيادات تليق بها" الى خليط هجين من انتقال ديمقراطي "شرق أوسطي" و "اسلامية منزوعة الدسم الوطني " يسيرها من وراء ستار "العربان المتصهينون" الى أجنداتها في سوريا واليمن و يحفرون لها قبرها في عواصم الثورة .
في المقابل كانت "القديمة" المتشظية في تونس و القاهرة تستعين على "الثورات الحقيقية" بعلمانيين و وطنيين خائفين من "اخوان الدوحة و اسطمبول"و تتآمر عليهم بتمويل و اشراف من "محور خليج متصهين" .
لم يدرك يسار وطني و عروبي تونسي و مصري أيضا خائف من "ثيوقراطية الخلجان المتصهينة " أن نفس المال الذي يدفع ثمن الرصاص المسكوب على دمشق الممانعة و يخطط لطعن المقاومة هو نفس المال الذي دفع ثمن الرصاص الذي اخترق صدر الشهيدين بلعيد و البراهمي و هو نفسه المال الذي دفع ثمن الارز بالفاكية في باردو و ثمن بلاتوات اعلام الخراب و اعادة القديم في "مؤامرة مركبة" كان جميع "الجديد" فيها مجرد كومبارس في ضجيج "عربي" اختلط فيه حابل "ثورات" حقيقية مع "ربيع معبرن" بغرف متعددة قد تتناقض ظاهرا لكنها تتكامل "استراتيجيا" من تل ابيب الى واشنطن و باريس وصولا الى الرياض و ابوظبي و لن تكون الدوحة و اسطمبول و حتى قصبة الشرعية و باردو الرحيل و صمود رابعة و "تصحيح" 30 جوان إلا حشودا حقيقية تقودها "أدوات غبية" لم تستطع الاسراع بفهم الخديعة و صياغة المشروع الثوري الحقيقي العربي الجديد لقصور "تيارات عربية كبرى" ادمنت العمى الاستراتيجي من اسلاميين و يسار و عروبيين في مصر و تونس .
القدس و المقاومة و ضمير شعوب عربية ثائرة تبصر بفطرتها الصادقة وحدها هذه العناصر و بتقدير رباني بديع تصفع الآن الجميع و سترتب المشهد و تفرز الصفوف و تميز الخبيث من الطيب ..تسطر البوصلة للعرب من بغداد الى دمشق الى بيروت حتى تتوضح الرؤية من محيط الى خليج فمن شاء فليؤمن و من شاء فليواصل التيه .