في البدء كانت الكلمة، وفي تفسيري أن المقصود بها الحرية تحديدا. يصدق هذا على الإنسان أنى كان وأين عاش. الله نفسه عندما أخرج الإنسان من الجنة، أعطاه الحرية بما يجعل هذه مقابل تلك.
وأما كبتها تحت أي يافطة ومن أي كان، فهو مضاد للجوهر الإنساني ولإرادة الله ذاته الذي دفع بالإنسان إلى الأرض كي يعيش حرا. قد تكون هذه المقدمة بعيدة للتعليق عما يحدث في إيران. إلا أن ذلك لا يمنع من كون الشعوب الإيرانية مثلها مثل شعوب الأرض قاطبة تطمح إلى الحرية. وقد ظهر هذا منذ أربعين سنة، وها هو يظهر اليوم ضد النظام الذي قام منذ أربعين سنة.
صحيفة "كيهان العربي" الإيرانية القريبة من مرشد الثورة خامنائي، نعتت المظاهرات الاحتجاجية التي جابت عددا من المدن الإيرانية بأنها "تحركات مشبوهة" نفذها "مثيرو الفتنة"، وصبّت الصحيفة المحافظة جام غضبها على أمريكا التي "تدس أنفها... (و) تفتح الأبواب لعملائها في الداخل أن ينالوا من الثورة وقيادتها" [31 ديسمبر 2017].
المسؤولون الإيرانيون يقولون أيضا كلاما مشابها، مرتكزين في ذلك على تغريدة ترامب الذي دعا "الحكومة الإيرانية (إلى) احترام حقوق شعبها، بما في ذلك حق التعبير". وبذلك فإن رأس "الشيطان الأكبر" يقدم هنا خدمة جليلة للنظام الإيراني نفسه، وينزع بالتالي عن المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع الإيرانية كل نزوع للحرية.
ولا غرو من ذلك مادام شرطي الخليج الذي كانت تقوم مقامه إيران أيام الشاه أقل جدوى، بحساب المليارات من الدولارات، من الفزاعة الإيرانية في ابتزاز الكيانات العربية المطلة على الخليج.
ومهما يكن من أمر فإن تغريدة ترامب واستغلالاتها لا تحجب المطالب والشعارات التي رفعها المتظاهرون في المدن الإيرانية وفي جامعة طهران، والتي تتعلق بالتنمية والعدالة والحرية.
وهو ما يؤكد أن شعوب المنطقة جميعها تلتقي حول نفس الشعارات في حين تجتهد ماكينات الأنظمة إلى توجيهها إلى وجهات أخرى حتى تستمر إلى ما لا نهاية. بمعنى أن احتفاء الإعلام السعودي والخليجي عامة، بما يحدث في إيران، لا يدل على أن السعوديين أو عموم الخليجيين يعيشون أفضل حالا من الإيرانيين، وإنما كلهم في مرتبة الرعايا لأنظمة تتغطى بالدين.
وبالعودة إلى تغريدة ترامب، فإن التدخل الخارجي في الشأن الإيراني، قد شرّعه النظام الإيراني نفسه، ليس فقط لأنه كان سبب ما يعانيه الإيرانيون، حيث تبلغ نسبة الفقر هناك 18% ووفيات الرضع 38 بالألف (تونس 15 بالألف) في بلد يحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث إنتاج النفط وتصديره.
وإنما أيضا لأن إيران عندما تتدخل في شؤون البلدان الأخرى وأساسا منها البلدان العربية، فإن ذلك يعتبر تأشيرة لغيرها للتدخل في شؤونها هي.
ولا نغفل هنا الكلفة الباهظة لتلك التدخلات التي تُدفع على حساب صحة الإيرانيين ومعيشتهم، حتى لكأن من أشار بها يهدف بها حرف "الثورة الإيرانية" عن شعاراتها وإيصالها إلى وضع شبيه بالوضع الذي قامت ضده.