3 جانفي 1984، يوم تونسي بلون الدمّ

Photo

كان منطلق “ثورة الخبز“، كما أطلق عليها آنذاك، قرار حكومي برفع الدعم عن المواد الأساسية، ومنها العجين ومشتقاته من خبز ومقرونة ومواد كثير أخرى... وكان سعر الخبزة قبل الزيادات 80 مليم فأصبحت بين عشية وضحاها ب170 مليم! وهذا ما أدى غلى انطلاق حركة احتجاجية بداية من قبلي ودوز في 26 ديسمبر 1983، لتعمّ كل مناطق الجمهورية، ولتصل إلى ذروتها بالعاصمة يوم 3 جانفي 1984...

قرار رفع الدعم آنذاك هو بالأساس قرار صندوق النقد الدولي ووقع تطبيقه في نفس الفترة تقريبا في المغرب ومصر والسودان على ما أذكر... بالنسبة لتونس توقيت القرار كان يدخل في إطار صراع الأجنحة داخل النظام على تركة بورقيبة. هذا الأخير هو من أصرّ على اتخاذ القرار في موفّى ديسمبر 1983 بعد أن أقنعه جناح وسيلة بورقيبة ودريسة قيقة بأنّ الأطنان من الخبز تلقى (طبعا القناة التلفزية قامت بالواجب بإعداد روبورتاجات في هذا الغرض). مزالي كان يرى أنّ الأمر يحتاج المزيد من الدراسة، وأنّ الرفع يكون تدريجيا.

يوم 6 جانفي نزلت المظاهرات الضخمة للاحتفاء بانتصار الشعب حينما تراجع بورقيبة، ولكن ميليشيات الحزب الحاكم دخلت في هذه المظاهرات ورفعت شعارات من نوع "يا بورقيبة يا حنين الخبزة رجعت ب80" ومن نوع "يا مزالي يا بوصلعة يعطك ع.... في ها الطلعة" و"يا محلى القعدة في العالي وبورقيبة مَقِّصْ المزالي"…

بين 3 و6 جانفي سقط النظام ولكن لم يكن هناك من يأخذه... هذا ما كتبته بعض الصحف العالمية آنذاك... فالاتحاد، والمعارضة وجدوا أنفسهم في حالة تسلّل مخجلة (تنمّ على طبيعة قياداتهم الاصلاحية الانتهازية) إذ أنهم كانوا بصدد مطالبة النظام بالتعويض للفئات المُعدمة!!!

خلال تلك الأحداث لعب طلبة وتلامذة حركة الاتجاه الاسلامي دورا فعالا في مظاهرات الشوارع، وسقط منهم العديد من الشهداء، ولكن البيان الرسمي لحركة الاتجاه الاسلامي (ممضى من عبد الفاتح مورو اذ أنّ بقية القيادة كانت في السجن) كان ضعيفا وأذكر منه هذه العبارة "حتى نجنّب تونس العزيزة الهزّات..." وهذا دليل بأنّ القطيعة بين توجّهات القواعد وتوجهات القيادة ليست مسألة جديدة مرتبطة بالتوافق الحالي بل هي متجذّرة وقديمة. القواعد الطلابية والتلمذية خاصة كانت مسكونة بالثورة الايرانية، وكان ترى امكانية حدوث ثورة مماثلة في تونس، في حين أنّ القيادات كانت تقليدية ومجبولة على طريقة التفكير السياسي التنظيمي الاخواني، وهو لا يؤمن بالثورات.

أذكر أيضا أنّ العديد من فصائل اليسار الطلابي كانت رافضة للنزول للشوارع إلى غاية 2 جانفي بدعوى أنّ النزول من أجل الترفيع في الخبز ينمّ عن "وعي بقري" (لا تزال هذه العبارة عالقة بذاكرتي).

في صبيحة 3 جانفي انعقدت تجمعات عامة في كل الجامعات، وشهدت لأوّل مرّة توحّد كلمة كل التيارات من اسلاميين ويساريين وقوميين حول ضرورة النزول للشارع، وكان تنسيقا رائعا، إذْ وقع الاتفاق على الالتقاء في عدّة أماكن من العاصمة لانطلاق المظاهرات، وكانت أضخم مظاهرة شعبية قادها الطلبة والتلاميذ بين باب الخضراء وحديقة الباساج، وأدى الاصطدام مع قوات القمع إلى تفرق المظاهرة على العديد من شوارع العاصمة، وبعد منتصف النهار دوّى الرصاص من هنا وهنالك وسقط من سقط بين جريح وقتيل، ومنهم الشهيد فاضل ساسي أمام نزل الانترناسيونال... واشتعلت النيران في مقرات الشعب الدستورية....

وفي الساعة الخامسة بعد الزوال، أعلن بالراديو عن حالة الطوارئ، ونزل الجيش إلى شوارع العاصمة وتمركزت الدبّابات والمدافع الرشّاشة في الشارع الرئيسي، وهذا لم يمنع تواصل الاحتجاجات وهرسلة الجيش والشرطة... وهذا ما دفع بالنظام إلى التراجع عن قراره انقاذا لنفسه من الانهيار الذي بات وشيكا.

ملاحظة: كانت هذه الأحداث مناسبة لاستدعاء الجنرال بن علي من فرسوفيا ليهتمّ بالشؤون الأمنية، وما يتطلبه النظام من نقلة نوعية في التعامل مع الشارع المنتفض دوريا منذ 1978.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات