في قراءة بسيطة لدخول قانون المالية حيز التنفيذ ،يستنتج إصرارا على إيجاع الشعب وتجويعه من قبل حكومة تدعو إلى الوقوف لتونس و التضحية و تعد بتعافي الإقتصاد وتؤكد أن السنة الجارية هي سنة التشغيل مع صفر إنتداب في الوظيفة العمومية وليس القطاع العام. كما يستنتج لا مبالاة و عدم مسؤولية القائمين على الشأن العام .
فجأة يطفو إلى السطح تيار تصعيدي من قبل بعض الجماعات اليسارية (هي تدعي أنها كذلك والواقع قصة أخرى ) يتبنى مطالب الجماهير ويدعو إلى إسقاط قانون المالية الجائر و إن لزم إسقاط الإئتلاف الحاكم و إبعاد الملتحين من إدارة البلاد و البلاد كافة.
هذا الخبط العشواء المتبادل ، لا يمكن القول في شأنه إلا أنه لا ينفع الضحايا في شيء وإنما يعمق الفجوة السحيقة بين السياسيين ومنظوريهم ، ما قد يضطر ضحايا الإستغلال الموغل في الوحشية و الفحش إلى تملك مصيرهم بأيديهم في حركة عفوية ( لا يوجد في الحركة الإجتماعية مفهوم العفوية ) سبق لها أن أجبرت الطاغية على الفرار بجلده.
وفي ظل هكذا ظروف و مادامت معاناة المفقرين محل مزايدة في وسائل إعلام البروباغاندا و الدجل و التضليل ، ومادامت الدولة مستقيلة من دورها الإجتماعي و عن إحتضان كامل منظوريها والتسول يقوم مقامها ، ومادامت الأغلبية مستقيلة عن الشأن العام ، ومادامت المقابر و ساكنيها يصنعون الفارق ويتدخلون في رسم مستقبل الأحياء ،
ومادام هذا وذاك و أشياء أخرى فإن البلد يسير إلى مزيد من الإنزلاق قد يعيد الإستبداد أو يؤسس لإنفلاق و تفتت أو إلى تأكيد مقولة مكر التاريخ حيث تولد الثورة من رحم التناقضات .
في إعتقادي نحن إلى مكر التاريخ أقرب و قد تشكلت نواة أراها قادرة على إحتضان كافة الإرادات ( على الأقل نظريا ( مع أن حركة التاريخ لا تفسر بالأماني و لا تفهم بالشهوات و لا تحلل بالرغبات . من له شهوة يلتزم بتحقيقها .
أما المحاوللت البائسة للإستئثار بالنطق بإسم الحلم فهو إستحواذ و بُروك عليه لا يقوِّيه و إنما يقتله،
وتقديس المستحوذ على النطق لا يزيد في شعبيته بل يستنقص من قدرته على التأثير وعلى إستقطاب المزيد من المريدين ، ومن ثمة ينفّرِ و يساعد المنفرين من الحلم.
الحكمة أن تستبطن نكران الذات و تمقت تقديس الأشخاص متى إستطعت.
الحلم ملك مشاع و كذلك جهد تحقيقه ، ما عاداه تكرار للفشل. فعندما يلتحم صاحب الرأي بهموم شعب المفقرين المبعدين، لن تستطيع أي قوة مهما كانت قادرة على التجييش و دغدغة المشاعر ، أن تصمد ويصبح التغيير ممكنا بل واقعا يوميا يصنعه المستضعفين.
جميع القضايا المشاعرية المقيتة كتلة وهم يختلف فيها البؤساء طالما مازالوا قادرين على ملء كروشهم و لو بالحد الأدنى و بالسْقاطة ،
إذا ما عجزوا - أي الجياع - على الإقتتات من المزابل ستتحول القضية المادية و الحاجات البيولوجية إلى كرة لهيب - ليست ثلج - تحرق الأخضر والأخضر - ليس - اليابس.
الكروش إذا خويت عميت دون أن تفقد قدرتها على التغيير و لن تفعل و إن أرادت. الكروش لم تزل قادرة على صناعة التاريخ. تمردها قادم حتما.
الكروش الثائرة لا تنتهي فوضى ، إخشوشنوا.