الإمارات تتمزى علينا برفع الحضر على سفر نسائنا، إنما دون أي اعتذار أو تفسير، على أساس أن الخطأ ليس منهم، بل في الشبهة التي عمموها على نسائنا، ونحن لا ندري شيئا عن مصير القرار السيادي التونسي لحفظ ما بقي من ماء الوجه الوطني بخصوص منع طائرات الإمارات من النزول في تونس،
لكن تذاكر الدعوات الكريمة ومصروف السفر لشراء الذمم ما تزال قائمة، من أراد منكم أن يهاجر إلى الإمارات فله ما أراد، من نال واحدة من جوائزهم الأدبية المجزية فلا يفحشن علينا بالإبداع، أو دعوة كريمة لزيارة برج خليفة أو أي برج فاحش آخر فلا يدخل في معركة النساء،
من تلقى شيئا من أموالهم التي تتبين الانتهازيين من غيرهم، فلينفقها في صمت ولينفعنا بضم كشخته إلى الأبد، من قبل ذلك من التونسيين مقابل تأكيد التهمة على بنات بلده، أو دعوه ثم فصلوه عن زوجته وبناته في المطار، أو أطردوهن وقبلوه فقبل، فله ما أراد، لكن عليه أن يفيدنا بإغلاق كشخته وستر أمره، إذا ستر الله عليك، فاستر نفسك ؟
عن خمس سنوات من احتياطي الغباء الوطني
قديما قيل "إذا فاتك الحديث، قل: سمعت، وإذا فاتك الأكل، قل: أكلت…" لتفادي الإحراج، والكلام موجه إلى 90 بالمائة من المواقع الإخبارية التي تطمح إلى الانتشار باستغباء الناس بنشر أخبار قديمة ومزيفة تم تكذيبها، فقط سيد الموقع ما يزال في زمن غباء فرعون عندما قال: "لا علم لكم إلا ما علمتكم"،
هذا دون اعتبارمن يتوهمون أنهم سيعيدون اختراع الماء الساخن لنا،
الاستثمار في النذالة، نعرفه، أما المراهنة على غباء الآخرين، فهي قمة الغباء، رغم ما يقوله صديقي القديم خالد النجار منذ منتصف التسعينات من أن في الشعب التونسي خمس سنوات من احتياطي الغباء الوطني،
يمكن لأي محتال أن يستغلها، وقد قال ذلك قبل اختراع الانتخابات الحرة النزيهة، أيا كان المال السياسي الذي يقف وراءها، وأنتم ترون أمامكم النتائج، والقادم أسوأ،
عن صديق لم يعد بحاجة إلى المقاومة،
قديما، كنا تلاميذ فقراء مطرودين من مبيت معهد الكاف بسبب الفوضى والتشويش، لكن كنا ريفيين ذوي كبرياء وأنفة على طريقة وصف كعب بن زهير "شم العرانين أبطال لبوسهم من نسج داوود في الهيجا سرابيل"، إنما أذلنا البرد والجوع أيام السبت والأحد الشتائية في المبيت الكئيب ونحن نمر زرافات ووحدانا أمام حانوت الفطايري ذي الرائحة التي لا تقاوم،
حتى قرر أكثرنا جرأة أنه لم يعد يستطيع المقاومة، دعانا إلى الدخول وكنا خمسة: كل واحد فطيرة وكعبة مخارق (كان ثمنهما معا 100 مليم كاملة، المجموع 500 مليم)، أمرنا بالانصراف وقال لصاحب المحل: "لا مصلحة لك في أن تطلب الشرطة، إما أن تضربني حتى يبرد قلبك وإما أن أشتغل عندك بقية المساء مقابل ما أكلنا"،
وبقينا أمام المحل ننتظره وهو يعمل في تنظيف المحل حتى حل الظلام، خرج إلينا منهكا حقا، لكن مع خمسة فطاير ساخنة،
اليوم التقيت "شم العرانين" الريفي الذي تجرأ على البطولة لأجلنا لأنه لم يستطيع مقاومة الجوع، غادر الدراسة مبكرا، تقلب في عدة مهن وسافر إلى عدة بلدان ثم عاد ثريا وسعيدا بجنسية دولة سويسرا المقدسة، "السعادة على بعد ساعة و55 دقيقة من تونس، لكني لم أعد بحاجة إلى مقاومة الجوع، فقط ما زلت أطالبكم بدفع ثمن الفطائر"،
أكتب هذا وفاء له، للبطولة ولذكرى تلك الأيام القاهرة،