وها هو شهر يناير/ جانفي يعود مثل العديد من المرات، محملا بالاحتجاج. كان التظاهر آنذاك ممنوعا، وهو اليوم مشروع، يكفله الدستور. والأكيد أن هذا التطور لا يعجب أولئك الذين يفكرون في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والتراجع عن الدستور قبل تطبيقه.
ولابد هنا من الملاحظة أن التظاهر ليلا، فرصة لهم هم بالذات حتى يندسوا بين الصفوف لتشويه الحركة الاحتجاجية، أو حتى فرصة للمغامرين لتوجيه الحراك بما يخدمهم في نهاية المطاف. ومن هنا فالتظاهر في رابعة النهار يحرمهم من أي فرصة للتسلل.
وبقطع النظر عن ذلك فإن ما تعلمناه من التاريخ، أن المراحل اللاحقة من الثورات تكون أكثر جذرية من المراحل السابقة. وهذا لأن القديم لا يعترف بضرورة التغيير متمسكا بنوستالجيا الماضي، والنوستالجيا لا يمكن ان تكون محركا للتاريخ.
لم يسبق أن حدثت ثورات شعبية في الليل، دون النهار. في حين أن كل الانقلابات العسكرية تقريبا حدثت ليلا. البراكاجات وأعمال الحرق التي تنال الأملاك الخاصة والعامة ومؤسسات السيادة والبراكاجات قلت، هذه لا يمكن أن تحسب على الأعمال الثورية، ولا هي تتضمن مطالب ثورية.
أكيد أن بعض تلك الأعمال تعبر عن نوع من الاحتجاج وما وصل إليه الوضع في ظل قانون المالية لسنة 2018 مدعاة للاحتجاج، ضد الغلاء وتدهور المقدرة المعيشية وضد الفساد...، إلا أن الاحتجاج يمكن التعبير عنه أمام الكاميرات حتى، حتى في ظل نظام دكتاتوري، مثلما فعل شعبنا غداة 17 ديسمبر، فما بالك في بلد يعتبر الحرية خطا أحمر يضمنها الدستور ويعلن الجميع عن تشبثهم بها.
وأما الثورات المضادة فتستعمل كل شيء من أجل أن تستمر في أماكنها، ولا يغرّنّكم في هذا الإطار مواقف من خبرناهم عندما كانوا أول من مدّ اليد والعون للمنظومة القديمة، وكيف ننسى أنهم هم أنفسهم صوّتوا لها من أجل أن تعود حتى رأينا اليوم نتائج ما فعلوا وفعلت على جميع الأصعدة.