منذ مدّة وأنا أقرأ وأعيد قراءة لوائح المؤتمر العاشر لحركة النّهضة وبيانه الختامي - عشرة وثائق في حوالي 150 صفحة -و حدث معي بعض تحوّل نفسي- فكري - سياسي :
لم أعد خائفا على تونس من النّهضة بنفس الطريقة و بنفس القدر الذي كان عندي سابقا اذ تغيّر مضمون الخوف و شكله أصبحت خائفا على النهضة أيضا:
أ - من بعض قواعدها المتخلّفين على تفكير قيادتهم
ب - من بعض قياداتها الثانويين المختلفين مع قياداتها الأساسيّين
ج - من الاسلاميين من غير النهضاويين
د - من قيادتها ان تراجعت أو تردّدت أو اكتفت بما أنجزت و اعتبرته خاتمة المطاف
و
ه - من غير الاسلاميين ممن يجهلون محتويات لوائح المؤتمر و يواصلون النضال ضدّ صورة النهضة القديمة التي ارتسمت في الفكر و الواقع منذ السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي و بطريقة نصف دونكيشوتيّة فيساعدون بالتالي من الخارج على دعم المخاوف السابقة (من داخل الاسلاميين أنفسهم ) دون أن يعوا .
وأصبحت خائفا على النهضة و على تونس من أصدقاء النهضة وأصدقاء تونس المزيفين و من أعدائهما في نفس الوقت سواء من الحركات والأحزاب -في الدّاخل و الخارج - أو من الدّول. و هذه الأطراف - و خاصّة بعضها- لن يهنأ له بال الا عندما يرى النهضة في السجون و المنافي من جديد.
ليت قيادة النّهضة تعرف كيف تذهب أكثر الى الامام في اصلاح أمرها و تقترب أكثر من التونسيين المختلفين معها أكثر من سعيها الى الاقتراب من الاخوان المسلمين العالميين و من القطريين والأتراك و السعوديين و الأمريكيين و الأوروبيين.
وليت غير النهضاويين من الوطنيين و الديمقراطيين يعرفون كيف يدفعونها / يسحبونها أكثر في ذلك الاتّجاه حتّى لا يندموا لاحقا لو ضعفت القيادة الحالية وقوي الجناح الأشدّ محافظة أو ضعفت النهضة بكاملها وقوي اسلاميّون أكثر محافظة على يمينها أو اضطرّت الى الدّخول في صدام مع غيرها من التونسيين غير الاسلاميين على الشاكلة المصريّة مثلا خدمة لأجندات دوليّة متصارعة على حساب الشعب التونسي و شعوب المنطقة ...فيندمون جميعهم اسلاميين و غير اسلاميين... ولو بعد حين .
النهضة أثبتت بالنسبة لي - من خلال بدأ تغيير كبير في الخطاب الرّسمي و لكن أقلّ منه في الخطاب غير الرّسمي و في السلوك - ان الاسلاميين التونسيين ليسوا تقريبا مثل باقي الاسلاميين و ذلك لأن تونس ليست تقريبا مثل باقي الدول الاسلامية .و لا أقول هذا من باب 'الاستثناء التونسي' بل من باب الخصوصية التونسية فقط لا غير.
و أرجو ألا يجيء يوم في المستقبل يفعل فيه معارضو النهضة الحاليّون كما يفعلون الآن مع بورقيبة - مع اختلاف كبير في الزمان و في حجم الانجاز و التأثير ووجهتهما : يثمّنون بعض ما قام به بعد رحيله و بعد تدهور أوضاعهم بعده بينما لم يفعلوا ذلك في حياته مطلقا اذ كانوا يعارضونه دون تقييم صحيح لانجازاته ... فيكون...ربّما... قد فات الأوان.
ولكن النهضاوي الذي سيفرح كثيرا بهذا سيكون واهما : فتطور النهضة لا يزال في بدايته و المراجعات تسير نحو وجهة ليبيرالية محافظة و تابعة تقريبا ...و دون انجازات كبرى في مستوى الحكم حتى لا يفهم ذكر بورقيبة خطأ ...و تطويرها يجب ألا يكون بمدحها أو بالتحالف معها أو بالتذيّل لها ...بل يتطلّب تواصل نقدها و النضال ضدّها ...ولكن بطريقة جديدة ... تلائم 'النهضة الجديدة' ...و تونس الجديدة التي ستتطلّب معارضة جديدة للنهضة و لغيرها...في العالم المعولم الجديد.
أكتب هذا و أنا في مراحل متقدّمة من تجميع الوثائق و اعداد مسوّدات قد ) وأقول جيّدا: قد) تفضي الى تأليف كتيّب نقدي عن التحولات الفكرية و السياسية و التنظيمية لحركة النهضة حتى المؤتمر العاشر .
و أقول هذا كي لا يزايد أحد من معارضيها و لا يهنأ أحد من أنصارها في نفس الوقت !
و عسى أن تنجح هذه التدوينة المغامرة / المقامرة و تدفع البعض ممّن يهمّونني الى قراءة لوائح المؤتمر العاشر و التفكير فيها بهدوء -على الأقل- فلا أخسرهم بسببها و يربحون معرفة بأكبر حركة سياسية في تونس اليوم . أمّا أعداء القراءة ...فلي و لهم و لصداقتنا الله و التّاريخ .
اللهمّ والشعبمّ احمياني من مدائح الاسلاميين و شتائم غير الاسلاميّين و اهدياني صراط الفكرالسياسي الرّصين خدمة لأبناء شعبي أجمعين في هذا العالم اللعين .