اذا غابت المشاريع السياسية حضرت مناكفات ميليشياوية

Photo

عندما اشتد الاستقطاب السياسي بين حكم الترويكا و جماعة الرحيل كانت هناك محاولات لدفع الصراع السياسي بين شركاء مقاومة الاستبداد على الاقل الى محاور التقديرات السياسية المختلفة حول اشكاليات "الشرعية" أو "الانقلاب" أو مسار الانتقال في سياق الفرز السياسي بين "القديم" و "الجديد" و مفاهيم "الكتلة التاريخية" و النقاش حول قدرات المنظومة القديمة على التطور و صوابية التحالف معها في مواجهة الخصم الايديولوجي أو تفكيكها و دفع المخالف ايديولوجيا الى التسويات مع الشركاء السابقين في معارضة التسلط .

لكن أطرافا و اتباعا من هذه الجبهة أو تلك كانوا يدفعون الصراع الى مناكفات شخصية تحت عناوين "التكفير" المتبادل بزعم تملك الحق " الحداثي" أو "الديني" أو عناوين السباب الذاتي و هتك الأعراض و المزايدات على "الثورية" أو "التقدمية" أو "الديمقراطية" .

و عندما اندلع الاختلاف حول المسالة السورية و اليمنية مثلا أيضا بين اسلاميين و يساريين و عروبيين و حتى مجرد ليبيراليين وطنيين اشتركوا في مقاومة الاستبداد النوفمبري اتجه الصراع أيضا نحو الهتك المتبادل للاعراض "الوطنية" و "الديمقراطية" و اعتمد بعض شباب مغفل حتى مفردات "الفتنة المذهبية" النتنة و الاتهامات بالعمالة أو المحاكمة الرخيصة بدعوى مساندة "الاستبداد" و هم أبعد حتى عن معرفة من عارضه في سنوات الجمر حين كانوا مشغولين في مدارج الملاعب و حفلات الشبيبة المدرسية و التعاونيات الطلابية التجمعية .

كل ذلك كان يتم بسكوت قيادات "عاقلة" بل بتشجيع منها مما فوت على المشهد السياسي نقاشا أعمق حول المشاريع الوطنية الكبرى التي تقدم لتونس رؤى شاملة و ان اختلفت حول بدائل سياسية و اجتماعية و ثقافية و استراتيجية و حول الاتباع الى "عوام" متناحرين يهتكون الأعراض و يتطاولون على القامات .

منذ انتخابات 2014 و بعد تصدع الجبهتين التقليديتين المتواجهتين بعد 2011 تفرق المتحدون أيدي سبأ و أصبح نفس السباب الذي تواجهت به الجبهتان و تحولت نفس الشتائم التي أطلقها هؤلاء على اولئك هو ماعون "الصراع" بين الأطراف المتصدعة .

يساري يهتك عرض رفيقه و عروبي يلعن أخاه و تيار يشنع على حليفه السابق بنفس القاموس الذي استعملوه معا تجاه خصومهم ما دامت الحسابات النقابية قد اقتضت ذلك .

حراكي او مؤتمري يلعن نهضاويا و نهضاوي يشلخ تياريا و سلفجي يكفر نهضاويا و مرزوقيا بنفس قاموس المواجهة التي كان بعض هؤلاء يناكفون به خصومهم حين كانوا يتوهمون بذلك أنهم ينصرون "الثورة" و "الشرعية" و يزعمون "اتحادا" في مواجهة القديمة .

نرفض ملائكية التوافقات أو كره الصراع فبدون الصراع لا تكون سياسة و حرارة الاختلاف و التناقضات و الصرامة في الدفاع على الموقف هي التي تبني المشهد الوطني القوي بعيدا عن نفاق "السلمية الزائفة" أو "التوافقات الملغومة" لكننا نُصر على أن الصراع الحقيقي المثمر هو صراع الأفكار و المشاريع و الدفاع عليها بشدة العارفين و قوة الخطاب و عنف الاقناع لا بسباب و شتائم السطحيين .

ماذا نقول الآن لمن أوجعونا بقطعانهم العامية التي اطلقوها علينا تنهش ذواتنا دون نقاش أفكارنا ..ماذا نقول لهم وهم يُشربون الآن بعضهم بعضا من نفس الرداءة التي قذفوها على وجوهنا ؟احصدوا ما زرعتم من ميليشياتكم بعد ان درتم على بعضكم بعضا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات