على التوالي تمر أمامي بعض التغاريد التي تكفّر يوسف الصديق وأخرى تجعل منه مفكرا حرا في مهب التكفير!!!
ليس المشكل فيما يطرحه يوسف الصديق. إذ ليس من حق أي كائن من كان أن يحجر على حق التعبير وحرية التفكير وصولا إلى فك الارتباط بمقولات الدين... وإنما المشكل في التناول المتهافت في منابر وظيفتها الإثارة لحرف الصراعات ذات الجوهر المواطني الإجتماعي السيادي في مجتمع مذلول مستباح..
سي يوسف الصديق مجرد "خدام حزام" يروّج بشكل إثاري لأطروحات قدمها فلاسفة ومفكرون أفنوا أعمارهم في البحث في تاريخية القرآن وسائر الأديان في محيطها التاريخي أمثال Theodor Noldeke و Fred Donner و Gerhard Bowring و Sidney Griffth الذين كتبوا مجلدات حول التأثير اللاهوتي اليهودي والمسيحي على القرآن؛ والتساؤل هل القرآن عمل متتابع وجماعي؛ وحول بناء القرآن....
أذكر أني شاركته ندوة نظمتها رابطة الكتاب الأحرار فرع بنزرت في فيفري 2016. وقد طرح يومها نفس الأفكار التي يروجها متحدثا يومها عن الأصول اليهودية والمسيحية للقرآن وسط حضور ثقافي متنوع ولم يثر ما يقوله احتجاج أحد. أذكر أني تفاعلت معه في خصوص هذه النقطة قائلا: أستاذ يوسف ما تقوله اليوم لا ينكره القرآن على نفسه بل يؤكده "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ" (ما سبقه)… فالنص القرآني يحفل ب"طبقات جيولوجية" تخبر عن كل الأديان" التي يسميها كلها الإسلام.
عظمة هذه الدراسات المختصة في أركيولوجيا القرآن إنما تؤكد ما قاله عن نفسه وتنسف كل خطابات التعصب والتمركز والتعالي بإسم الأديان. فلا فائدة من خلع الأبواب المفتوحة… أذكر أنه أثنى على الملاحظة قائلا: هذا ما أردت قوله…
كم تمنيت لو أُجريتْ محاورات معمقة معه ومع الطالبي يديرها إعلاميون مقتدرون أمثال عادل الحاج سالم وعمر برّيمة ومالك الصغيري. أو أكاديميون لهم تجارب إعلامية متميزة. أمثال د. محمد الحاج سالم صاحب برنامج "وجادلهم". لكن خسارة أن يتم تمرميدهم ومشاهديهم وأطروحاتهم على أيدي دمى ومهرجين تافهين في منابر التجهيل وقصف العقول!!!
وبالله سامحوني كان دخلنا حديث في حديث. هاهو الرئيس الفرنسى ماكرون صباح اليوم بكل وقاحة يمارس نوعا من الأستذة الوقحة متحدثا عن الثورة التونسية الصغيرة وثورتها الثقافية الكبيرة!!!
غامزا إلى حزمة مشاريع الإمبريالية الثقافية التي تمررها جمعيات ممولة من السفارة الفرنسية ومراكزها التبشيرية!!!
شوف سيدي خويا:
الثورة التونسية تعادل الثورة الفرنسية أو تفوق باعتبارها تاريخيا تتنزل ضمن سياق كوني تتمرد فيه الشعوب على الجبرية المثالية والمادية… هي ثورة الإنسان في سبيل الحرية أولا وأخيرا… ثورة في الإسلام لا ثورة عليه بعبارة الأستاذ زهير إسماعيل أحد ألسن الثورة التونسية.
على أية حال يا سيد ماكرون: علمانيتكم هي مجرد إصلاح ديني داخل المسيحية وعودة إلى بيانها المؤسس "أعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر". أما لائكيتكم الجامحة فهي مجرد وثنية جديدة بعبارة المؤرخ الأمريكي "بيتر غاي".
لا تنس يا سيد ماكرون أن الهجمة الكولونيالية الفرنسية أعاقت ثورة الإصلاح في الإسلام تحت شعار الثورة على الإسلام…. هل نذكرك باجتهادات المسلمين قبيل هجمتكم الكولونيالية وحاضرهم المدوعش!!!
ثورتنا يا سيد ماكرون هي ثورة زمن المواطنة المقاومة للاستبداد أيا كانت شعاراته وراياته لاهوتا أم ناسوتا. إنتصارا للإنسان سيد مصيره.
أما وكلاؤك الثقافيون في تونس فهم مجرد مخبرين محليين يحرضون على شعوبهم؛ عُدّتهم ترسانة عنف ابستيمولوجي متجاوز معرفيا في زمن التحرر المعرفي وتصفية استعمار العقول والمخاييل والجماليات إسنادا لمعارك التحرر الوطني…
لم ننس شيئا من جرائمكم يا سيد ماكرون.