نكتة مرعبة

Photo

و ماذا بمصر من المضحكات و لكنه ضحك كالبكاء''، قالها أبو الطيب المتنبي هاجيا كافور الاخشيدي و كان في زمانه عبدا اسودا أوصلته الظروف لاعتلاء دفة الحكم في مصر. بعد احداث 14 جانفي 2011 اصيبت تونس بحالة اسهال كلي طال جميع مجالاتها:

-اسهال سياسي تجلت ابرز مظاهره بوصول مهرجين و جهلة و صعاليك إلى المجلس التأسيسي المنتخب من الشعب لكتابة دستور......و لا احتاج لذكر اسماء أو اعطاء امثلة أليس كذلك ؟

-اسهال اجتماعي تجلت أبرز مظاهره في البناء الفوضوي و استغلال ''الفشل الكلوي''' الذي منيت به البلديات و مراكز الامن.

-اسهال أمني كانت أبرز مظاهره تفشي الجريمة بنوعيها المنفردة و المنظمة. _ اسهال استخباراتي تمثل في استباحة بر تونس من جميع الوكالات الاستخباراتية الأجنبية القاصية منها و الدانية، أعطى أكله بداية باغتيال الشهيد شكري بلعيد و الحاج محمد البراهمي...وصولا إلى مرحلة الإرهاب الذي تدرج حتى وصل إلى قلب العاصمة تونس. و حالة الإسهال هذه بما انها حالة عامة و معممة فإنه كان من الطبيعي و المنتظر أن لا يسلم منها اعلامنا و اعلاميونا.

فالتناول الاعلامي التونسي للحراك السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي الحاصل بتونس منذ 14 جانفي 2011 تميز بالهواية المفرطة حد الاهمال و الاستهتار و مع ذلك كان عزاءنا في ذلك حداثة عهدنا جميعا بالتجربة الديمقراطية و انخراطنا جميعنا فرادى و جماعات عوامنا و خواصنا في مدرسة و تعلم لم نتربى عليه....و انما بوغتنا به على حين غرة فكان من الطبيعي أن نصيب طورا و نخطئ في أطوار كثيرة و قد كان ذلك أمرا مفهوما و مطلوبا و بالتالي معذور.

و لكن منذ أن دخلنا مرحلة التهديد الإرهابي و منذ أن بدأت اصوات نواقيس الخطر الارهابي تقترب من بلادنا تونس لتعطي ضربة البداية الحقيقية لا دخال تونس رسميا في أتون الإرهاب الفعلي باغتيال شكري بلعيد تواصل التعاطي الإعلامي الهاوي معاليه الأحداث الرهيبة و لم نلحظ اي نقلة نوعية في تعاطي وسائلنا الإعلامية مع هذاك المعطى الجديد و لم نلحظ اي تمييز في تناول الحدث الإرهابي مقارنة بالحدث السياسي العادي أو الحدث الرياضي أو الحدث الاجتماعي…

لقد واصل اعلاميونا تعاملهم مع الإرهاب على أساس البحث عن السبق الصحفي و التسابق الى تحصيل أقصى عدد من المستمعين و المشاهدين و القراء.... فكنت على إثر اي عملية إرهابية تسمع و تشاهد و تقرا تصريحات و تحاليل تتعلق بالحدث الإرهابي و بالفاعلين و بالضحايا و بالوسائل المستعملة و بالجزئيات الدقيقة .....الخ دون أي تحفظ و دون خوف و دون احتساب أو حسبنا. و لعلي أذكر على سبيل الذكر لا الحصر (و ما أكثر الأمثلة في هذا المجال) أحداث رواد التي تم فيها القضاء على القضقاضي و من معه حين حضرت محامية بإحدى القنوات التلفزيونية لتدلي بدلوها حول الموضوع و تصرح هكذا و على الملأ بأن أحد الارهابين الذي تم القضاء عليه قد اتصل بهاتفه الجوال بأحد معارفه قبل أن يتم قتله من قبل الفرقة الأمنية المتدخلة…

نعم هكذا و لعلكم بل من المؤكد أنني و إياكم لم و لن ننسى التغطية التلفزيونية المكشوفة و الكاشفة حد الإهانة لجنودنا الشهداء الذين باغتهم الارهابيون و ذبحوهم من الوريد الى الوريد. و آخر مهزلة في هذا الصدد كانت ما قامت به قناة تلفزيونية من تصوير لرأس الكفل راعي الغنم و هو مفصولا عن جسده . كل ذلك جعلني استذكر حادثة رهيبة جدت بألمانيا الفدرالية زمن الالعاب الاولمبية ببرلين (في السبعينات) . فقد قام فدائيون فلسطينيون باحتجاز الفريق الاولمبي الإسرائيلي المشارك في تلك الالعاب غايتهم من وراء ذلك تحسيس الرأي الدولي و لفت انظاره للقضية الفلسطينية. و بطبيعة الحال تناقلت الوسائل الاعلامية العالمية هذه الحادثة و غطتها تغطية كاملة حتى صارت انفاس العالم بأسره مشدودة الى ما يحصل ببرلين. و قد كانت التلفزات الالمانية تنقل الاحداث مباشرة من القرية الاولمبية مركزة كاميراتها و عدساتها على المكان الذي تم فيه احتجاز الرهائن من طرف الفدائيين الفلسطينيين.

كانت التلفزات الألمانية تنقل كل شيء على المباشر بما في ذلك تحركات فرق التدخل المختلفة الألمانية بأنفسهم و أسلحتهم و عدتهم وعتادهم. و لعلكم لا تجهلون ان العملية انتهت بقتل جميع الفدائيين الذين بدورهم قتلوا جميع المحتجزين من الرياضيين الإسرائيليين.... و بعد انتهاء العملية صارت أحداث برلين وصمة عار في تاريخ ألمانيا الفدرالية و ستظل كذلك ....تعرفون لماذا ؟

لقد كان الفدائيون الفلسطينيون يتابعون اولا بأول الاخبار مباشرة على القنوات التلفزيونية الألمانية الناقلة للأحداث و لما قررت القواة الامنية المختصة التدخل بمداهمة المبنى الذي يحتجز فيه ''الفدائيون'' الرياضيين الإسرائيليين كان الخاطفون يتابعونهم مباشرة على التلفزيون الالماني....

و ذلك ما يفسر فشل عملية التدخل و قتل جميع المحتجزين. بعد اكثر من اربعين سنة من هذه الاحداث المؤلمة ما زالت المانيا تتذكر هذه الحادثة و تضحك من نفسها بمرارة، بل لقد صارت هذه الحادثة ''نكتة مرعبة'' في تاريخ البوليس الألماني.... هذه النكتة المرعبة...التي ارتكبها الالمان مرة في تاريخهم....يرتكبها اعلاميونا كل يوم....بمناسبة كل عملية إرهابية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات