استخدمت الطبول في بواكير حياة الإنسان بعد النار والصراخ، كوسيلة للتواصل بين البشر، وتفنن الأقدمون في إيقاعاتها ودلالاتها، فهناك إيقاعات تنبّه للأخطار وأخرى تطلب تجمّع السكان المتناثرين في ملاجئهم، أو الدعوة لحضور وليمة، وغيرها للصيد، وبعضها للمناسبات السعيدة؛ للأفراح والليالي الملاح، أو للاحتفاء بالحاكم الجديد بعد دفن سلفه، حتى صارت علاقة الإنسان بالطبول ضرورية كوسيلة للتواصل بقرعها في شتى المناسبات،
فكوّن لها فرقا نظامية، ثم استخدمت الطبول لتكون أساس الألحان الموسيقية مع آلات أخرى، وصارت الألحان لا تستقيم من دون إيقاع الطبلة أو مجموعة الطبول مختلفة الأحجام والأغراض، من الإيقاع السمفوني مع بيتهوفن وشتراوس وباخ حتى إيقاعات المقسوم لدى أغنيات شعبان عبدالرحيم في أغانيه الشعبية التي تحب عمرو موسى وتكره إسرائيل.
وصارت الطبول وسيلة عيش حيث تنوّعت صناعتها، وأغراضها ولم يتوقف التطبيل على تلك الحدود فامتد لأغراض أخرى، تجاوزت الضرورة البشرية البدائية، فقد تنوّعت أهدافها ومراميها ودلالاتها لتتخطى وسيلة العزف على الجلود إلى العزف على العقول وعلى أنغام المديح، من خلال الصياغة في وسائل الإعلام، على ذات الإيقاع الذي تطرب له آذان أفراد السلطات من المريدين والممالئين، الذين تعلموا منذ تاريخ طويل هذه الظاهرة الإيقاعية، في الشعر قديما وحديثا إلى صياغة الأخبار والمقالات، وتنعيم و”سنفرة” الصور، ولا سيما تلك التي أضحت خشنة الملمس لدى الجمهور،
فأراد أصحابُها امتطاء صناع مهرة أو متبرعين، بأن يجلّوا صورهم ويجملوا أفعالهم، ويعطّروها بالكتابة والتعليق على أحداث، تصاغ على هواهم لتكون مقبولة أولا ثم مفضلة ثانيا، لتجلب الأتباع ليكونوا أعضاء في مؤسسات، وأحزاب وتشكيلات وميليشيات، تحت سيل لا يتوقف من الشحن عبر وسائل الإعلام التقليدية المكتوبة والمسموعة والمرئية.
ثم تطور الأمر بمنتج جديد ذلك هو السوشيال ميديا، الذي فتح الباب على مصراعيه للأفراد أن ينزلوا إلى حلبة سباق “التطبيل”، ويدقوا كيفما شاؤوا ومتى شاؤوا، فامتلأ بذلك قاموس المديح وزاد عليه قاموس الشتائم دون وازع من ضمير.
كبر “التطبيل” وصار مهنة، فانتبهت إليها الأحزاب والحكومات، لتفتح بابا وتخصصا جديدا اسمه “الذباب الإلكتروني” وهم موظفون يتلقون رواتبهم من أسيادهم ينبرون كل لحظة ليعلقوا ويكتبوا توجيهاتهم بعد أن باعوا عقولهم وخبراتهم، مقابل ثمن، مهمتهم أن يحوّلوا الحق باطلا والباطل حقا علنا، فامتلأ الفضاء الإعلامي بهؤلاء وخرّبت الدنيا، لكنهم لا يعلمون أن الإعلام الأكثر فاعلية هو إعلام الحقائق مهما طغت موجة “التطبيل”.