أمريكا الخائفة على وعي شعبها ..قالت الحجرة تبللتُ ؟

Photo

هُراء و ثرثرة هكذا وصف الروس اتهام الأمريكان لعدد من المواطنين و المؤسسات الروسية بالتدخل في الانتخابات و التأثير على الرأي العام الامريكي و توجيه الناخبين .

لا تكمن الطرافة في صحة الاتهام أو غلطه بل في قيمته المعرفية . أصبحنا نستمع من غرب "الحداثة" اتهامات كانت مثار سخرية حين يقولها العالم الثالث من نوع "التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية" و "تزييف الوعي" و صناعة الرأي العام .

سبق لفرنسا أن عبرت أيضا عن "شكواها" من مخاطر "الاختراق" لوعي مواطنيها "الأحرار" و لاحقت مؤسسات اعلام أو ممثلين فكاهيين تخشى منهم على "وعي رأيها العام".

الفلسفة الغربية النقدية المعاصرة اشتغلت على نقد "الحداثة" كمشروع غير مكتمل بلغة هابرماز أو "استلابي قمعي" كما أشار ماركوز و رفاقه في مدرسة فرانكفورت .الماركسية الجديدة و التيارات الوجودية و التأويلية مارست تفجيرا داخليا لكذبة الحداثة. الفرنسي ميشال فوكو كشف بمنهج "جينيا_أركيولوجي" و حتى فرويدي استراتيجيات السلطة الميكروفيزيائية الذي تخترق كل المجتمعات بمافيها الحداثية حيث "تُعقلن" المراقبة و العقاب بعيدا عن مزاعم "الحرية" و "الأنا الديكارتية المدعية " سيادة ذاتها و تملك العالم .

العلوم الانسانية المعاصرة في مدارسها "الثورية" شرحت كذبة "المواطن الغربي الحر" و كشف بورديو و بودريارد و غي دو بور و غيرهم كثير آليات "صناعة الرأي" و "التحكم في الارادة" التي تبدأ من "المدرسة" و "الشارع" وصولا الى البيت حيث ينتصب "التلفزيون" و "وسائل الاتصال" و "الميديا" كآلهة جديدة تشكل العقل و المزاج و الأذواق بحسب ما ترتضيه "السلطة القائمة" في مجتمع يزعم أنه "مجتمع المواطنين الأحرار" كما"بشرت" بذلك "النصوص المؤسسة" لايديولوجيا الارادة العامة " مع روسو و مونتسكيوه و فولتير الزاعمة طوباوية " القرار الحر للفردية ".

يقول "النظام الامريكي" اليوم وهو يتهم "نظيره الروسي" أن "مواطنيه الأحرار" في "جنة الديمقراطية" كانوا ضحية مغالطات "ميديولوجية" نابعة من قوة أكبر اخترقت "القوة الوطنية للأمن العقائدي".

و الحق أن الامريكان بذلك لا يجانبون الصواب كثيرا فهذا ما يؤكده الفيلسوف الامريكي المضاد "للسيستام" ناعوم تشومسكي حين يصف "الديمقراطية الامريكية" المزعومة بأنها مجرد دكتاتورية اللوبيات و الاقليات المهيمنة على الحشود .

لا يجانب الأمريكيون الصواب فقد انطلقت روسيا و عدد من دول الشرق الصاعد (ايران مثلا) و أمريكا اللاتينية فعليا في "حرب العقول" حيث بدأ منذ سنوات سباق "صناعة الخبر" و "الأقمار الصناعية" و خدمات الانترنات و الانتاج الدرامي و الفني في اتجاه كسر الاحتكار الغربي لصناعة الرأي العام الذي يسيطر على انسياب الأخبار بست 6 وكالات و شركات اخبارية كبرى تزود كل القنوات في الشرق و الغرب بالأنباء و الصور و التحاليل فضلا عن كبرى شركات الانترنات و البث و استطلاعات الرأي التي يتفوق فيها غرب بدأت سطوته على شعوبه و شعوب العالم تتراجع بفضل الثورة الروسية و غيرها في الاعلام .

يستحضر الروس في بناء اعلامهم الجديد فشلهم السابق أمام الغرب الذي ربح الحرب مع "السوفيات" و أسقطه في التسعينات بصناعة الرأي العام قبل صناعة الأسلحة .

العبرة :حين قلتُ يوما أن سبع سنوات من عمر الثورة التونسية و المؤامرة على سوريا كان العديد من الشباب و "المثقفين" التونسيين ضحايا صناعة الرأي و المصدر الواحد للخبر استغرب كثيرون .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات