في ملتقى بمدينة برلين، قامت وزيرة السياحة السابقة امال كربول بمداخلة حول تجربتها القصيرة في وزارة السياحة في حكومة مهدي جمعة...المداخلة كانت باللغة الإنجليزية التي تجيدها الوزيرة السابقة بعلامة ممتاز جدا. ..كما كانت المداخلة معززة بأحدث وسائل التواصل و الاتصال السمعي البصري.
من حيث الشكل لا يختلف اثنان حول ابداع الوزيرة السابقة و برهنتها عن دراية تامة و سيطرة مطلقة على موضوعها مع قدرة مذهلة على إيصال أفكارها للمتابعين الحضور. و قد زاد حضورها الركحي الرهيب من نجاحها الشكلي لما تميزت به من مهارات مسرحية من خلال خلجات صوتها و تنقلها السلس على الركح مع لباسها الانيق الرفيع السهل الممتنع...كل ذلك مصحوبا بأريحية تامة و مثيرة للإعجاب و الانبهار...من حيث الشكل فقد استحقت الوزيرة السابقة أعلى العلامات : عشرة على عشرة. أما من حيث الاصل فقد ارتكبت السيدة الوزيرة السابقة كارثة غير مسبوقة ؟
لقد تناولت السيدة الوزيرة تجربتها على راس وزارة السياحة بتونس و تحديدا في التقريب بين الحضارات و الاديان من خلال اقدامها على استدعاء و استقدام يهود اسرائيل لأداء الحج بغريبة جربة، الشيء الذي جابهه التونسيون بالرفض التام و الاستهجان مما تسبب لها في مساءلة امام مجلس نواب الشعب و ذلك لأول مرة في تاريخ تونس (حسب تعبيرها) و ما تسبب لها بالخصوص في تهديدات لها و لأفراد عائلتها (بلغ بها حد تسفير ابناءها حسب تعبيرها و تنصيب حراسة مقربة لها حتى وهي نائمة.)
بالشكل الممتاز الذي تميزت به مداخلتها و بقدرتها الخارقة للعادة على تذليل نبرات صوتها لاقناع الحضور بخطورة الموقف الذي كانت تصفه على أساس ''محنتها'' ، و هي التي لم تسع سوى لتقريب ديانتين، خيم صمت رهيب على القاعة ببرلين و اوشك الحضور على البكاء مكان الوزيرة ''شهيدة السياحة'' . الوزيرة ختمت مداخلتها بنبرة غلب عليها التحدي الشخصي بقولها انها نجحت ''رغم الداء و الأعداء في تنظيم حج الغريبة و في استقدام يهود إسرائيل لتأدية حجهم، هي التي نجحت و ليس سواها، هي التي نجحت وحدها رغما عن كل التونسيين الرافضين…
تصفيق حار و مطول من جميع الحضور بالقاعة. بقدر ما كان أداءها متميزا من حيث شكله بقدر ما كان مضمونه خائبا، مغالطا، جاحدا، ناكرا للجميل و بلا افق. - مداخلة خائبة : لان وزيرة السياحة السابقة خرقت واجب التحفظ المحمول على مثل من تقمصوا المسؤوليات مثلها (و هو ما عابه عليها السيد مهدي جمعة رئيس الحكومة السابق على صواب منه(. - مداخلة خائبة : لأنها نشرت غسيل وطنها و بلدها و شعبها و حكومتها على موائد الغير و هو خطا سياسي غير مسبوق لم يرتكبه اسوء السياسيين في العالم باسره على حد علمي. - مداخلة خائبة : لان السيدة الوزيرة ابنة سفير تونسي سابق ، لم يكن من حقها بحكم تربيتها في احضان الدبلوماسية الاوربية العريقة ان ترتكب هكذا تصرف والذي يعتبر فضيحة دبلوماسية بكل المقاييس. - مداخلة مغالطة : لان السيدة الوزيرة السابقة صورت تونس و التونسيين كل التونسيين على انهم ''رافضة'' رافضين فرادى و جماعات و مؤسسات لمبادرتها و الحال ان اغلب التونسيين كانوا مساندين لها و حتى معجبين بها.
غالطت السيدة الوزيرة الحضور بأن نشرت الغسيل المتسخ و وارت عن الانظار حملات المساندة التلقائية لها و لمبادرتها عبر الفايس بوك….و الوساءل الاخرى. - مداخلة جاحدة : لجميل البلد الذي جعل منها في فترة من وجودها وزيرة….و وشح سيرتها الذاتية بوزارة و هو امر ليس بمعطى و لم يعطى لمن هم و لمن هن ،اكثر كفاءة منها مع اعترافنا لها بقدراتها المذهلة على التواصل. - مداخلة جاحدة : للجهود التي تظافرت و الايادي التي امتدت لتسند السيدة الوزيرة، - مداخلة جاهلة بالمناخ الجغراسياسي و بالتاريخ : لأنه كان على السيدة الوزيرة السابقة ان تعلم و تعلم الحضور ان استدعاء يهود اسرائيل لجزيرة جربة ابان ثورة تونس كان خطا استراتيجيا و سوء اختيار منها هي (على فرض انها هي صاحبة الفكرة …لأنه من غير المستبعد ان تكون الفكرة املاء اذعنت له الوزيرة) كان من غير السليم استدعاء يهود اسرائيل ليحجوا الى غريبة جربة ابان ثورة و اهتزاز و غليان ميز المشهد التونسي، في الوقت الذي يموت فيه الفلسطينيون ببنادق المدنيين المستوطنين و الجنود الاسرائليين ، قبل ان يذهبوا لأداء صلاة الجمعة بالمسجد الاقصى…
لم يكن مطلوبا من الوزيرة ان تستحضر كل تاريخ الجرح الفلسطيني…كان مطلوبا منها فقط ان تستحضر لحظة اداء صلاة الجمعة في القدس و لحظة حج و صلاة الغريبة في جربة لتعلم هي و يعلم الحضور ببرلين ان رفض التونسيين كان له ما يبرره و ان اعتراضهم على استقدام يهود اسرائيل لجربة (فقط يهود اسرائيل و ليس كل اليهود و هذا ما غاب عن مداخلة الوزيرة) كادت تكون وسيلة تونسية راقية و طريقة تونسية ذكية كالعادة للفت انظار الرأي العام الدولي لمأساة الشعب الفلسطيني و تعبيرا من صنف اضعف الايمان لمساندة شعب تونس لشعب فلسطين. و الحاصل ان السيدة الوزيرة قد وضعت نفسها بمداخلتها موضع المثل التونسي القائل : ''لا يعجبك نوار دفلة في الواد عامل ظلايل و لا يعجبك زين طفلة حتى تشوف الفعايل'' …
فبقدر ما كان الشكل و اللغة واللباس و الأداء الركحي رائعا بقدر ما كان المضمون ضحل، غير موفق، غالط و موقع في الغلط و بلا أفق. ولسائل ان يسال : ما هو الانطباع الذي تركته الوزيرة السابقة لدى المتلقين الأجانب؟ ما هي الرسالة التي أرادت أن تبلغها السيدة الوزيرة ؟ هل سيقدر الأجانب وزيرة نشرت غسيل بلادها بين أيديهم؟ هل سيستامن الأجانب أسرارهم لدى سيدة لم تكتم أسرار بلادها ؟ باي وجه ستقابل السيدة الوزيرة ابناء بلادها الذين امنوا بها بعد العرض الذي قامت به؟