مقام القضاء في دولة "النقابات الامنية" ؟!

Photo

من يحرس الحراس؟! .امنيون (من المفروض حماتها) يطوقون المحكمة ويعبثون بحرمتها.. برمزيتها امام الناس! ماجد امام المحكمة الابتدائية ببن عروس- تحت مظلة النقابات الامنية - ليست اول حادثة ولا مجرد واقعة!.

هل تحولت "القوات النظامية "الى "مليشيات مسلحة " ؟! : تجمهر وتطويق واستعمال السيارات الوظيفية وتهديد واقتحام لبهو المحكمة ورفع السلاح واعتداء على محام وعلامات انتصار...الخ . ماذا يجري؟! .وماذا يريدون؟! .عمليات "بوليسية" شبه عسكرية لاستعراض القوة وممارسة الضغط بهدف "تخليص" عدد من الامنيين يمثلون – كباقي المواطنين- امام قاضي التحقيق.

احدى النقابات الامنية (نقابة موظفي الادارة العامة للامن العمومي) تصدر بيانا "مخجلا !"في 25 فيفري الجاري يتعلق بإيقاف ثلاثة امنيين و إحالة إثنين آخرين بحالة تقديم يتبعون فرقة الشرطة العدلية بحمام الأنف من أجل شبهة التعنيف(البعض يشير الى تعذيب).

البيان يصف قرار الايقاف بالمتسرع ! ويتهجم في صيغة "مقرفة " على "جحافل من أشباه الحقوقيين والمحامين الذين عرفوا سابقا بفتح دكاكينهم لمساندة خفافيش الظلام والاسترزاق من تجارة الارهاب !"(كذا). وفوق ذلك تدعو تلك النقابة في صيغة حربية جميع الامنيين الى الاستنفاروالحضوربكثافة لتطويق المحكمة الابتدائية ببن عروس.

واضافة لذلك دعت كافة الإطارات والأعوان إلى مقاطعة تأمين الجلسات بالمحكمة الابتدائية ببن عروس في تاريخ التجمهر!. وفي صيغة اكثر تحديا دعت "جميع الأمنيين إلى عدم مغادرة أسوار قصر العدالة إلى حين الافراج على زملائهم المتهمين والى عدم المثول مستقبلا أمام الجهات القضائية بخصوص القضايا المرتبطة بممارستهم لمهامهم الأمنية "!....الخ

ولا ادري اين يوجد وقتذاك وزير الداخلية ووزيرالعدل... واين ضاعت هيبة الدولة ؟!

اعضاء المجلس الاعلى للقضاء يظهرون في حالة عجز ! ويتحولون(على عجل ) في نفس اليوم الى المحكمة "بناء على بلوغهم امر تجمهر مجموعات من الامنيين على خلفية تتبعات قضائية موجهة ضد زملائهم" ويعاينون "انتهاك حرمة المحكمة من امنيين حاملين للسلاح والذين تنقلوا الى مقر المحكمة بمختلف الوسائل الموضوعة على ذمتهم من طرف الدولة " .

وفي الاخير يدعون القضاة (المطوقين من القوات والنقابات الامنية ! ) الى التمسك باستقلاليتهم واتخاذ قراراتهم بمعزل عن مجموعات الضغط و النفوذ"(بيان المجلس الاعلى للقضاء بتاريخ 26 فيفري 2018) دون اية ادانة صريحة للنقابات الامنية او وزير الداخلية او الاشارة الى مسؤولية وزير العدل اواتخاذ اجراءات عملية لرفع الحصارعلى المحكمة ! .

لكن ماذا كانت التداعيات ولماذا ظهر الامنيون والنقابيون وهم يرفعون شارة النصر!؟

تقرير الطبيب الشرعي اثبت" تعرض المشتكي للعنف الذي نجم عنه وجود 22 كدمة في جسده ! "وقاضي التحقيق المتعهد بالقضية (وليعذرني زميلي ! ) يقررفي ليلة ليلاء وبعد سماع 5 امنيين والقيام بالاجراءات اللازمة" ابقاءهم بحالة سراح وعرضهم على القيس" بعد ان كان 3 منهم بحالة احتفاظ و2 بحالة تقديم (الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية ببن عروس في 27 فيفري الجاري في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء).

وبعيدا عن الحيثيات – يبقى لنا( ولكم التعليق )عن دلالات تلك الوقائع التي تاخذ حجم القضية الوطنية وترتبط بمصيرالحريات في هذه البلاد ، من ذلك :

1- ان واقعة بن عروس)كالوقائع السابقة التي جدت بسوسة وقفصة و زغوان وغيرها ) تؤكد الحضور الراسخ في ذهنية بعض الامنيين لدولة البوليس التي لم تغادر مخيلتهم اضافة الى استمرار التنازع بين سلطة القاضي ووظيفة الامني وتجاوز الامنيين لحدود سلطتهم في تعاملهم مع المحامين ومساعدي القضاء وعموم الناس.

وليس بعيدا عن الذاكرة حادثة جدت بتاريخ 30 اوت 2015 في دائرة المحكمة الابتدائية بزغوان ،اعتدى فيها احد اعوان شرطة المرورعلى احد القضاة .وقد كان خطاب الامني في تلك الحادثة صادما ولا يكاد يصدق وهو يتوجه للقاضي بالقول " ولا كان انت قاضي وانا رئيس مركز و باش نوقفك" واحنا والي مرمدناه خلي قاضي"وذلك في اشارة الى والي تطاوين السابق وما نسب له من انه اعتذر لاحد اعوان الامن( احمد الرحموني مقام القاضي في دولة البوليس : موقع نواة -3سبتمبر 2015).

2- تحصن عدد من الامنيين في علاقاتهم العامة او الوظيفية بالنقابات الامنية والاستناد الى موقعها لتجاوز القانون تحت غطاء حرية العمل النقابي وحماية الامني.

وتبدو حادثة المحكمة الابتدائية ببن عروس ابرز مثال على تلك الممارسات التي تجسمت في دعوات صادرة عن نقابة موظفي الادارة العامة للامن العمومي بقصد محاصرة المحكمة والضغط على القضاة والتفصي من المسؤوليات الوظيفية.

ويذكر في هذا السياق ان عون المرورفي حادثة زغوان قد توجه للقاضي بالقول "احنا عندنا النقابات متاعنا يتمس بوليس البلاد نبركوها !" ) المرجع السابق:مقام القاضي في دولة البوليس).

3- شعور طاغ لدى عدد كبير من القضاة في ضوء تلك الاعتداءات بان الحصانة الوظيفية التي اقرها الدستور والضمانات المقررة للسلطة القضائية لا تؤدي الى توفير الحماية اللازمة للقضاة .

4- ضرورة التأكيد على ما يسمى “الرقابة الديمقراطية على المؤسسة الامنية ” وذلك بقصد التباعد عن عقلية “الدولة داخل الدولة”وحتى لا تستعمل مصالح الامن الداخلي بصفة تحكمية لبلوغ اهداف غير مشروعة.فمن الواجب ترسيخ مبدأ المحاسبة وضرورة تحمل المسؤولية القانونية عن الافعال المقترفة.

فهل يمكن ان تمر حادثة بن عروس (مثلما مرت غيرها ! ) دون محاسبة وان يسكت في كل مرة وزير الداخلية وبقية المسؤولين ويفلت المذنبون من العقاب ؟!


احمد الرحموني: رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات