اجراءات العقاب عند العرب قديما

Photo

كان العرب في القديم يولون أهميّة كبرى لتعليم أبنائهم. فالأغنياء يؤجّرون المؤدّبين في منازلهم. وينهض المعلمون بتعليم أبناء الفقراء في الدّشر و القرى و بعض الحواضر.

وتختلف طبائع المتعلّمين حسب كل طبقة و جهة و طائفة، و يلجأ عادة بعض المتعلّمين إلى إدخال البلبلة و إثارة النعرات و بثّ الفوضى داخل "الكتّاب" أو خارجه، وكانت معالجة تلك المشاكل السلوكية الطّارئة تعود إلى مبدأ متفق عليه وهو " الرّفق و الصّفح و التّجاوز" فالطفل مهما بلغت إساءته فإنه بصدد تشكيل عالمه الشّخصي المبتكر المختلف حتما عن عائلته.

و كان المعلّمون يأخذون بأراء "القابسي" حيث يقول " فـنبّه مرّة بعد مرّة، وأكثر التغافل"، و يشترط أن لا يرجع المعلّم خطيئة المتعلّم بخطأ مفلق كالكلام البذيء و الشّتم. فالإهانة التي تلحق المتعلّم عن إساءته تعظم عنده وقد ينجرّ إلى أعمال خطرة تؤدّي للهلاك.

ويوصي القابسي المعلّمين بالتعالي عن عالم المتعلّم الصّغير، فهو غرير لا يفقه مقصد عمله؛ بل تهزه راحة الفكاهة و سماجة التفاخر و النّفس الأمّارة بالسوء. فالمعلّم طبقة تختلف عن المتعلمين معرفة و سنّا و دينا و أخلاقا و سياسة، فهو متمكّن يأخذهم باللين ساعة و بشدّة التقريع آنا آخر.فلا ينزل تقريعه و لومه إلاّ بعد استنفاد جميع وسائل التلطيف و الملاينة. وقد يتكلّف التغاضي الشّديد

و أمّا دواعي العقوبة فهي تدخل في جبلّة بعض البشر الّذين يظهر فسادهم لسوء عنصرهم، فالمتعلّم مفطور على الخطأ و المعلّم مجبول على ترك غضبه يستكين، فلا يقضي بسرعة عملا بالقول المأثور " لا يقضي القاضي وهو غضبان". و يختار من قائمة العقوبات ما يفي بالغرض وهو التقويم و الصّلاح في نفس الوقت. فإذا كان اختياره الضّرب فلا يكون إلاّ على ذنب فيه إذاية جسيمة لحقت غيره من المتعلّمين. و لا يسلّط المعلّم عليه الضرب إلا بعدد محدود. و يشاور وليه ويستأذنه. و يكون بحضور باقي المتعلّمين كي يتجنبوا الانزلاق مثله.

يشدّد ابن خلدون على منع الحرمان من الطّعام و الشّراب والضّرب " ومن كان مرباه القهر بالعسف و القهر من المتعلّمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر و ضيق النفس في انبساطها وذهب بنشاطها و دعاه إلى الكسل و حمل على الكذب و الخبث".

و كان علماء التربية العرب قد وضعوا قائمة اجراءات يتّبعها المعلّمون قبل الوصول إلى الضّرب وهو شديد الكراهية عندهم لتعارضه مع كرامة البشر. فالمعلّم يبدأ بتوجيه النّصح و التنبيه الشّديد. فإن لم تجد آذانا سامعة توجّه إلى اللوم و التقريع بخفيف اللفظ و سلاسة الإشارة و الإماءة. فإن واصل المتعلّم في غيه و استرسل في غلطه يطالبه بإحضار وليه و الاستنارة بمشورته. فإن واصل المتعلّم في سلاطته و سفاهته. ينيله الضرب غير المبرح بعد موافقة وليه.

يسعى نظام العقاب عند العرب القدامي إلى التعالق بين واجب التربية و علوية التعليم. فالمتعلّمون أبناء بيئة توضع فيهم فضائل القبيلة و شرور الاجتماع الحادثة . وما على المؤدّب إلاّ المحافظة على آداب العيش السّليم و نزع كل المفاسد الناشئة من عقول المتعلّمين. و لايتأتّى للمعلّم النجاح في مهمّته إلاّ عند بسط هيبته و محبته. فإن كان لازما فالهيبة و العقاب يسبقان محبة المتعلّمين."

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات