لأوّل مرّة أعلم أنّ لنا ستّين مؤرّخا في تونس ،
لا أدري إن كانت الصّفة منحة من الصحفي الذي نقل الخبر أو هو لقب أطلقه المعنيّون به على أنفسهم ، طبعا التعليق لا يستنقص من المؤهّلات العلميّة التي تجعل من مدرّس التّاريخ جهة مرجعيّة في التّأريخ ضمن اختصاصه التّاريخي المحدّد زمانا ومكانا ، وتتفاوت هذه الجهة المرجعيّة من حيث صفتها التحكيميّة بحسب الدّرجة العلميّة والانغماس في البحث العلمي ،
أمّا صفة المؤرّخ فأبعد من ذلك بكثير ، لأنّها تتجاوز الشهادات العلميّة وعدد البحوث المنجزة في سياق نيل رسالة الدّكتوراه أو درجة التّأهيل أو ما دونها ،
المؤرّخ مؤسّسة معرفيّة قائمة بذاتها لها قيمة اعتباريّة وصفة تحكيميّة بحكم طول معاشرته للمدوّنه وامتلاكه لمناهج التحليل والتمحيص والتّحقيق والضّبط وتحرّره من الذاتيّة والاصطفافيّة والانحياز والارتجال والإسقاط والتوظيف والادّعاء والتّعالم ،
المؤرّخ هو عالم التّاريخ وهو المدرك لعقل التّاريخ أي المنطق الدّاخلي و" القوانين " التي تحكم حراك التّاريخ وتوجّه الفاعلين فيه ، هو خليط من الجهد المعرفي الأكاديمي الطويل والذّكاء الخارق والموهبة الذّاتية ،
ربّما من ينطبق عليهما هذا اللقب بدون منازع هما الدكتور هشام جعيّط في التّاريخ الوسيط والدّكتور عبد الجليل التميمي في التاريخ الحديث ، ومن دونهما هم على درب الاجتهاد العلمي ليرتقوا إلى مصافّ المؤرّخين.
أخيرا لو كان لنا ستّون مؤرّخا لكنّا على رأس الدّول المتقدّمة في العالم لقيمة المؤرّخ ودوره في نهضة الشّعوب.