في ذكرى يوم الأرض، تشتعل الأرض. وتخوض غزة الصراع عن الجميع. الشبان الذين يخوضون النضال الآن في غزة معظمهم في العشرينيات من عمرهم، معظمهم لم يعرفوا الكهرباء، ولا عرفوا السفر، ولم يسمعوا لهجات عربية، ولم يلتقوا أحداً غير غزيّ.
من كان عام ٢٠٠٦ في الصف الأول أو الثاني صار اليوم شاباً يافعا، ومن كان في العاشرة صار اليوم في الثانية والعشرين، هدا جيل لم يعرف الكهرباء ولا حرية التنقل، لكنه بنى ثقافة مختلفة، وربى نقمة جارفة، وراكم حزناً وقهراً وخوفاً وخيبات وتعب، هذا جيل سيقلب الدنيا ويثأر من الجميع، لن تردعه الفصائل ولن يوقفه الاحتلال.
سننهض يوماً ما
سننهض يوماً ما، حين نتخلى عن فكرة "الحصان الرابح" ونراهن على كل انسان، ونقنع أطفالنا أن المبدع ليس من يجيد الرياضيات والفيزياء ويتفوق في العلوم فقط، بل المبدع من يستمع لداخله وينتصر فيه، ويكون ما أراد، ويبدع فيما أحب، بعيداً عن سياسات وزارات المعارف وإرادات الأهل والمجتمع.
سننهض يوماً ما، حين نكف عن انتظار "القائد، المحرر، الملهم" الذي سيقود الشعوب نحو نصرها. ونؤمن أن البلاد لا يقيمها فرد، ولا ينجيها زعيم، وأن مشروعاً حضارياً لا يشارك فيه بائع الخضراوات في السوق قبل أصحاب السياسة لن يكون سوى محظ تنظير أجوف لن يؤدي سوى لطبقيات بالية ستنسف كل مشروع قبل أن يبتدأ.
سننهض يوماً ما، حين نكف عن انتاج الطلاب كما تنتج المعلبات في مصانع المترفين، وحين نعي أن الفارق بين التعليم والتعلم كبير، وأن غرس هواجس السؤال وشغف المعرفة في روح الأطفال، خير من حفظ أطنان من الأوراق ستحرق بعد حين وتُنسى.
سننهض يوماً ما، حين نراجع ذواتنا، ونقتنع أن لا فارق بين رئيس الدولة وعامل النظافة سوى في طبيعة العمل، وأن بناءً يجيد رصف الطين فوق مداميكه، خير من قافلة علماء لا تؤدي رسالتها، وأن في مقولة ابن أبي طالب خير حكمة: "قيمة كل أمرء ما يحسنه".
سننهض يوماً ما، حين ندرك أن وعي الشعوب يحتاج أجيال، ويحتاج الجميع، وحين نكف عن اليأس المر، ونزرع الغد دون أن ننتظر الحصاد فوراً، فقد لا ندركه، ونؤمن أن الأجيال وحدها ستحصده لتكمل الطريق.
سننهض يوماً ما، حين نختار أن نكمل الطريق، وحين نحول كل محاولة فينا من مشروع فردي لجماعي، وحين نشرك الناس مغامرات عقولنا، وندعو كل واحد ليأخذ دوره في العمل.
سننهض يوماً، حين نكف عن الإحباط، وننطلق إلى العمل.